Friday, September 5, 2014

مجزرة سبايكر : الوجه القبيح للانسان // إيمان الحبيشي




يعيش العراق اليوم أيامًا عصيبة، تُذكِّرنا ونحن نُتابعها بأيام رئيس العراق السابق سيء الصيت صدام حسين.. نسمع عن قطع رؤوس، كما سمعنا بأيامه عن قطع الألسن والأذرع.. نسمع عن الاعتقال والتعذيب والتنكيل، كما سمعنا عن ذلك بأيامه.
سمعنا عن الإعدام الجماعي والمقابر الجماعية، ونشاهد اليوم تسجيلات لإعدامات جماعية على أيدي أتباع داعش، أحدها ما عُرف بمجزرة سبايكر* التي راح ضحيتها 1700 شاب، كانوا حين اعتقالهم ومن ثم إعدامهم عزَّلًا. أُستخدمت أكثر من طريقة للإعدام، وذلك للإجهاز على هذا العدد الكبير من الأنفس البشرية، إمّا على ضفة نهر، ليتخلص من جثثهم عبر رميهم فيه، أو بصحراء مكدسِّين فوق بعضهم بعضًا، وقد شاء الله لبعضهم النَّجاة، ربما ليُخبروا العالم عن حجم الفظَّاعات التي يمارسها منتسبو داعش، كما مارسها قبلهم بالعراقيين وغيرهم منتسبو صدام حسين، إذ تعدَّدت الوجوه وانعدام الإنسانية واحد.
 
1700 إنسان قتلوا لأنهم (شيعة)، كما سمعنا عمن قتلته داعش لأنه (ايزيدي)** وبأعداد لا يمكن إغفالها أيضًا.

قد نُصاب بالذهول، بينما نقرأ ونكتب ونشاهد، مدى قسوة ووحشية الإنسان في تعامله مع أخيه الإنسان، رغم أن الاختلاف طبيعة اجتماعية وبشرية غاية في القدم، إلا أنها من أكثر الأمور التي لا زال الإنسان، يُسجِّل فشلًا ذريعًا في التعامل الأمثل معها، رغم كمِّ وكيفِ التقدم الذي حققه، إلا أنه لا زال بدائيًا ينهش لحم أخيه لانه يختلف معه، على طريقة الوحوش التي قد تؤجِّل قتل الحيوان من فصيلتها حتى تُسدّ أمامها كل الأبواب إلا باب الموت والحياة، بخلاف هذا الإنسان.

السؤال الذي يُلِّح وبحاجة ماسَّة للإجابة، هو كيف بإمكان كل هؤلاء البشر أن يمارسوا القتل بهذه الأريحية، ضد أشخاص ربما لم يعرفوهم يومًا ولا يمتلكون أيَّة فكرة عنهم، سوى أنهم على ذلك الدِّين أو ذاك المذهب؟! كيف يتجرؤون على ضغط زناد سلاحهم في رأس امرأة أو طفل أو شيخ كبير، او حتى نحر شاب مفتول العضلات، فقط لأنهم لا يدينون بدينهم! فضلًا عن قدرتهم على قتل من يشتركون معهم في الإقرار بالربوبية لذات الإله وبالنبوة لذات النبي؟!!!

دائمًا أقف حائرَّة ممن تفيض أعينهم من الدمع كلما سمعوا ترتيل القرآن، أَلَم يقرأوا قوله تعالى (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)؟! أم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض؟! ألم تكن آياته واضحة حين قال (من قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)!!

هم يمتلكون المعرفة، أو لنقل كثير منهم يمتلك المعرفة التي كانت يجب أن تردعهم عن القتل والظلم والتنكيل، تأسَّيا بقول الرسول صلى الله عليه وآله (إياكم والمثلة، ولو بالكلب العقور)!!

أُسجل حيرتي في حجم الوحشية التي نعيشها وربما وجدت أن فكرة الدكتور علي شريعتي شاخصة أمامي بينما أشاهد شيئًا من تلك الفظاعات:

"المعرفة هي المعرفة في كل مكان وزمان، وهي تتساوى عند المسلم وغير المسلم، وهي تتساوى عند المعسكرات المتحاربة كما تتساوى عند الخدم والسادة، فلا تجامل في فريق على حساب فريق ولا تختلف عند جهة عنها عند الجهة الاخرى!..
إن الحدود توجد عندما يوجد الشعور فقط، والقوى التي توظف المعرفة هي التي تعطيها وجهتها وتنتهي بها الى أن تكون أخلاقية او لا أخلاقية.. في سبيل الحرب أو في سبيل السلام.. في سبيل العدل او في سبيل الظلم!!


الفيزيائيون الفاشيست يعرفون عن الطبيعة كما يعرف ضحاياهم ..

والفقهاء الموقرون لدى السلاطين لهم من المعرفة بالدين مثل ما للعلماء الذين يضعهم الحكام في السجون ..

إذًا ما الذي يجعل واحدٌ من الناس (جلادًا) ويجعل من الآخر (شهيدًا)؟
وما الذي يجعل من أحدهم (طاغية) ويجعل من الآخر عادلًا رحيمًا.. ؟
وما الذي يجعل من أحدهم (فاسدًا) ويجعل من الآخر (صالحًا)؟

ليست المعرفة هي التي تفعل ذلك، ولكنه الشعور….. نعم الشعور. " ***

دائمًا كنا نقول ان ما يميز الإنسان عن بقية المخلوقات هو عقله، وعلى ما يبدو أن ما يميز الإنسان عن بقية المخلوقات، إنما هو المعرفة مغلَّفة بالشعور، الشعور بالمسؤولية تجاه الإنسان الآخر، الشعور بالحب والاحترام، الشعور بألم الآخرين وحقهم بالاختلاف، الشعور بالمسؤولية الإنسانية والاجتماعية التي ستحفظ المجتمعات أيًّا كانت درجة الاختلاف بين مكوناتها، أيًّا كانت دياناتهم ومذاهبهم وطوائفهم.

أَمَا آن لقلوبهم أن تحيا؟

------------
* الفيديو لبرنامج يكشف عن بشاعة مجزرة سبايكر ومرتكبيها، الفيديو يحتوي على مشاهد بشعة ولذا وجب التنويه :
http://youtu.be/i1Eqe5s1rmY

**  (تعد الإيزيدية أو اليزدانية واحدة من أقدم الديانات الشرقية القديمة، إذ ظهرت في وادي الرافدين قبل آلاف السنين، وهي من الديانات التي تدرجت من العبادات الطبيعية إلى الوحدانية ولها معتقدات وطقوس خاصة بها)

*** كتاب (الحج : الفريضة الخامسة) للدكتور علي شريعتي ص 166 / 167

No comments:

Post a Comment