Friday, June 27, 2014

دورةٌ تدريبيةٌ في التقوى // محمود سهلان



 
قالَ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). [البقرة: 183]. 

يُعدُّ شهرُ رمضانَ المبارك فرصةً لتحصيلِ التقوى، بل قد تكونُ هي النتيجةَ المرجوةَ الأهمَ من صيامِه، فإنَ لكلِ عبادةٍ فلسفةً ما، سواءٌ كانت ظاهرةً لنا أم خافيةً علينا، ولكن معرفةَ هذه الفلسفة مهمة جدًا، وهي تساعدُ المكلفَ بشكلٍ كبيرٍ لتحقيقِ نتائجٍ رائعةٍ، وذلك عبرَ المعرفةِ التامةِ بالعملِ ورسمِ الطريقِ الموصلِ للنتائجِ المرجوةِ.
 
شهرُ رمضانَ لا يتجاوزُ الثلاثينَ يومًا، فهل المطلوبُ منا الصيامُ خلالَ هذهِ الفترةِ فقط؟ وهل هي كافيةٌ لتحقيقِ الهدفِ الكبيرِ منها؟ وهل سيظلُ الكثيرُ منَّا يعتبِرُها فترةَ التزامٍ شاقةٍ؟ وهل سيظلُ الكثيرُ منا ينتظرُ يومَ العيدِ ليجتازَ مرحلةَ الصيامِ؟ وهل سنظلُ بعيدينَ عنْ فهمِ هذا الشهر بِما فِيه؟ 
 
أسئلةٌ كثيرةٌ قدْ تدورُ في البالِ، ولكنْ.. 

صحيحٌ أننا قدْ نُعاني مشقةَ الصيامِ، وقدْ نُعاني صُعوبةَ محاربةِ النفسِ وكبحِ جِماحِها عن الكثيرِ من ذنوبِها وجرائِرِها وأخطائِها، وقد نُعاني منْ مغبةِ تغييرِ نظامِ حياتِنا اليومِي، وقد نُعاني أمورًا أخرى، لكنَ هذا كلَّهُ لا يتعدى كونَهُ نظرةً سطحيةً بسيطةً لا تصلُ للعمقِ.
 
تعالَ معي لهذهِ النظرةِ..

إنَّ شهرَ رمضانَ دورةٌ تدريبيةٌ مستمرةٌ لمدةِ شهرٍ، تَهدُفُ للارْتِقَاءِ بالإنسانِ والمجتمعِ نحو الفضيلةِ، وهدفُها الأكبرُ تحقيقُ التقوى في كلِ نفسٍ مؤمنةٍ، لتبقى تلكَ التقوى ملازِمةً للنفسِ طِوالَ العامِ، بل على مدى الحياةِ، حتَّى توافِ الإنسانُ المنيةَ. 

أرَى أنَّ هذِهِ النظرةُ أعمقُ كثيرًا منَ الأولى، وأكثرُ إيجابيةً منْها، فلمْ تقفْ هذِه النظرةُ عندَ الجوعِ والعطشِ والألمِ والحرمانِ وغيرِهَا من أمورٍ، بل لاحظتْ الهدفَ والفلسفةَ العميقةَ خلفَها، ونظرتْ بإيجابيةٍ لهَذِه الفريضةِ المقدسةِ. 

إذا تعاملنا جيدًا معَ هذِه (المحطةِ) الرائعةِ ستتغيرُ نظرتَنَا لَهَا، وكلَفتةٍ بسيطةٍ أقولُ أنَّ الجوعَ والعطشَ يُذكِرانِنَا بمَا يعانِيه الفقراءُ ليكونَ دافعًا لنا للإحساسِ بهِم ومساعدَتِهم، كمَا تُساعِدُنا محاربةُ النفسِ علَى التخلصِ من ذنوبِنا وعاداتِنا السيئةِ، وكذلكَ تغييرُ النظامِ يُعلِمُنا التأقلمَ مع الظروفِ المختلفةِ، والالتزامُ التامُ بأوامرِ اللهِ تعالَى حينَ الصيامِ دافعٌ للاستمرارِ على الطاعةِ بقيةَ العمرِ، وهَكذَا في كلِ لحظةِ من شهرِ رمضانَ فرصةٌ للتعلمِ أكثرَ والارتقاءَ أكثر.
 
همسةٌ: شهرُ رمضانَ ليسَ شهرًا للطعامِ المتنوعِ، ولا للإبداعِ في المطبخِ، وليسَ هوَ لمتابعةِ المسلسلاتِ والبرامجِ المتنوعةِ عبرَ التلفازِ، ولا للتجولِ من مقهًى إلى آخرٍ، ولا من مكانٍ ترفيهيٍ لآخرٍ، بلْ هو شهرٌ للعبادةِ والتقوى.

28 يونيه 2014 

No comments:

Post a Comment