أحد الأمثلة التي ذكرها لنا بروفسور مادة الإدارة هو اختبار لقسم الهندسة الصناعية يتكون من سؤال واحد يُختبر فيه الطالب قبل أخذ المادة المقررة، فإذا أجاب عليه فإنه يعفى من تلك المادة وتحسب له في مقرره الدراسي. والاختبار عبارة عن مسألة تحتاج إلى حل وهي هكذا: ستة أشخاص (3 رجال و3 نساء) متواجدون في غرفة صغيرة.. في أرضية الغرفة أنبوب مبني في الأرضية بشكل عمودي.. طول الأنبوب 12 انج، وقطره لا يتجاوز قطر كرة تنس الطاولة المستقرة بأسفل الأنبوب.. وتوجد هناك ستة أدوات: (مقص، مفك، مسطرة، قلم، ممحاة، مطرقة).. والمطلوب هو اخراج كرة التنس بدون أن تخريب أرضية الغرفة، أو الأنبوب، أو كرة التنس.
سأترك الإجابة لك أيها القارئ..
هذه النوعية من الاختبارات مجرد أمثلة على ما يواجهنا في حياتنا من تحديات ومشاكل وقضايا قد تحتاج منا إلى التفكير خارج الإطار.. أو كما يعبّر عنه بالتفكير خارج الصندوق.. والصندوق عبارة عن إطار التفكير الذي عادة ما نضعه لفهم قضايانا بشكل طبيعي وعقلائي نتيجة البيئة التي نعيش فيها ونمط وكيفية التفكير التي جبلنا عليها والخبرات والتجارب التي تكوّنت لدينا.. والجدير بالذكر أن هذا الإطار الذي نضعه ليس سلبياً في كل الأحوال، فالكثير من الأمور والقضايا تحتاج إلى أطر وقواعد معينة لحلها، والعقل البشري عادة ما يقوم بذلك وبشكل تلقائي بحسب الخبرة والتجربة والبيئة وغيرها من الأمور.. إلا أن السلبية تكمن عندما يكون إطارنا هو الإطار الوحيد الذي نفهم من خلاله الحياة.. إطار واحد لحل جميع المشاكل والمسائل.. وهذا ما يجعل الإطار غير صالح لحل قضايا لا تكون داخلة في هذا الإطار..
خذ على سبيل المثال المعادلات الرياضية، إذ لا يمكن حل مسألة الحجم بمعادلة المساحة.. ولا توجد معادلة واحدة لحل كل المسائل.. وعلى نفس السياق، فإن التفكير الواحد لا يصلح لأن يكون إطاراً لكل القضايا، بل تحتاج إلى إطار أو أطر من نوع وطبيعة أخرى لحل القضايا المختلفة..
ثم أن هناك أمرٌ آخر وهو وجود حالية تفاعلية متطورة عند العنصر البشري تبعاً لحالة التفكير والإبداع التي يتمتع بها، فما كان صالحاً لحل قضايا معينة سابقاً قد لا يصلح في وقتنا الحالي نظراً لتغيّر وتطوّر الأحوال.. فعلى الإنسان أن يعي ضرورة النظر إلى الأمور المتطورة والمتغيرة في حياته بنمط متحرك تبعاً للتغيّر والتطوّر الذي يطرأ على حياة الإنسان..
خذ على سبيل المثال التطوّر الذي حوّل سويسرا من رائدة في صناعة الساعات منذ مطلع القرن العشرين وحتى عام 1967 حيث كانت تمتلك أكثر من 65 بالمئة من نسبة المبيعات العالمية مع تحقيق أرباح بمعدل 80 بالمئة، إلى أن تخسر ريادتها فتصل مبيعاتها إلى أقل من 10 بالمئة بأرباح تقل عن 20 بالمئة في مطلع عام 1980 وذلك بسبب اختراع ساعات الكوارتز.. تاريخ طويل من الخبرة في صناعة الساعات لم يعُد له قيمة حين تم طرح منتج جديد متطوّر عن المنتج السابق. الطريف أن ساعة الكوارتز تم اختراعها على أيدي علماء سويسريين، إلا أن فريق الإدارة لم يكن مقتنعاً بالمنتج الجديد، بل استخفوا واستهتروا به بحيث أنهم لم يقوموا حتى بحفظ براءة الاختراع.. تم عرض الساعة الجديدة في مؤتمر الساعات العالمي، وبنظرة واحدة من شركة سيكو -اليابان- جعلت سويسرا تاريخاً -ضعيف الحاضر- في صناعة الساعات.
والأمثلة على ذلك كثيرة ومفادها أنه حينما تحدث نقلة تطورية جديدة، فإن خبرتك وتاريخك السابق لا قيمة له ما لم تكن طليعي في هذه النقلة الجديدة.. لن يفيدك التغني بتاريخك الناجح ولا ماضيك المبدع، ما لم تكن متمكناً ومبدعاً في حاضرك ومستشرفاً على المستقبل.. وإياك أن يأخذك الغرور والتباهي بتجاربك وماضيك وإطار التفكير لديك حينما تحدث نقلة تطورية جديدة فتعمى عن النظر بعين البصيرة إلى ما قد يجعلك تاريخاً قيد النسيان..
هل توصلت إلى إجابة السؤال في مقدمة المقال؟ أنتظر إجابتك..
14 يونيه 2014
No comments:
Post a Comment