Saturday, June 21, 2014

العلم العقلي يحقق إنسانيتي // محمود سهلان



يذكر علماء المنطق أن هناك أربع مراحل للعلم، وبعضهم قال ثلاث، وبداية سأطرح عليك المراحل مع توضيح مختصر لكل مرحلة.
 
المرحلة الأولى: وهي مرحلة العلم الحسي، وهي مرحلة إدراك الأشياء عن طريق الحواس الخمس الظاهرة، وهي الباصرة، والسامعة، واللامسة، والشامة، والذائقة، وتكون جلية واضحة عند الأطفال، ومن ذلك معرفتك بحلاوة شيء ما عند تذوقه، فتتكون لديك صورة في الذهن مع وجود نفس الشيء.

المرحلة الثانية: وهي مرحلة العلم الخيالي، وهو ليس إلا تخزين صور الأشياء التي نحس بها في الذهن، ثم استحضارها مع الإنفصال عن الخارج، ولك أن تنظر للهاتف في يدك ثم تغمض عينك فتجد الصورة حاضرة في ذهنك، ويكون للصورة حينها مقدار لكن لا مادة لها كما في العلم الحسي.

المرحلة الثالثة: مرحلة العلم الوهمي، وهي مرحلة ندركها في المعاني الجزئية التي لا مادة لها ولا مقدار، كحب الأبوين، والخوف من المرض، وهكذا، فندرك أشياء لا مادة لها ولا مقدار لكنها جزئية لا تنطبق على كثيرين. وهذه المرحلة يقول بعض المناطقة أنها غير موجودة.

المرحلة الرابعة: وهي مرحلة العلم العقلي، أو مرحلة إدراك الكليات، وفيها ندرك المعاني الكلية، أي التي تنطبق على كثيرين، وهي لا مادة لها ولا مقدار كذلك، وفيها يتميز الإنسان عن باقي الحيوانات، فهي تشترك معه في المراحل الثلاث السابقة ولو بدرجة ما، وقد تتفوق عليه في بعضها أحياناً ولو جزئياً.

مرحلة العلم العقلي هي التي يكون الإنسان بها إنساناً بالفعل، فيرتقي بنفسه من مرحلة الإنسان بالقوة، ومن مرحلة الاستعداد والقابليات، فيكون إنساناً. وحتى هذه الإنسانية تكون متفاوتة من شخص لآخر، فعلى قدر ما تملك من عقل تكون إنسانيتك، وكلما كمل العقل وازداد الإنسان عقلانية ارتقى في مدارج الكمال، وكلما ابتعد عن العقل (الحجة الباطنة) تسافل في مراتب الانحطاط. وقد نتمكن من تقسيم المستويات إلى ثلاثة رئيسية:

الأول: وهو من يستخدم عقله ويؤمره على قواه النفسانية الأخرى فيكون إنساناً، ويبقى في حدود الإنسانية.
 
الثاني: وهو من يكون عقله أسير قواه النفسانية من شهوة وغضب وغيرها، فيكون كما قال تعالى: (كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) [الفرقان:44].

الثالث: وهو من تجاوز بعقله كل مدارج الكمال حتى وصل لأعلاها مستوى، وتجاوز حتى الملائكة المقربين، بل هم في خدمته دائماً، وهو بالطبع قد أمر عقله على قواه جميعاً، وبلغ ما بلغ، وليس بمثال أوضح من رسول الله محمد (ص)، وخير دليل قوله تعالى: (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (*) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى) [النجم: 8 - 9]. وأنت تعلم أن هناك حداً وصل إليه جبرائيل (ع) فتوقف لأن لا يمكنه تجاوزه، لكن رسول الله وخير خلق الله محمد (ص) استطاع ذلك، وهو خير خلق الله دون أدنى شك.

لا نريد أن نكون في مستوى من هم كالأنعام بل أضل، ولا نستطيع أن نصل لمرحلة التفوق على الملائكة على الأغلب، وهو على أقل تقدير صعب جداً، ولذلك أقول فلنسعى لتحقيق إنسانيتنا، وطريق ذلك هو العقل لا غير، فبه أكون عابداً، وبه أكون خلوقاً، وبه أكون عالماً، وبه أكون حكيماً، وهكذا، فهو الطريق المستقيم المودع داخل الإنسان.

والمتتبع لآيات القرآن الكريم يجد كماً هائلاً من الآيات الداعية للتعقل والتدبر والتفكر (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد: 24]، وكماً كبيراً آخراً من الخطابات الموجهة بشكل خاص لأولي الألباب وأولي الأبصار (أصحاب العقول)، كقوله تعالى: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ) [الحشر: 2].

وفي الختام أدعوك لمطالعة حديث الإمام الكاظم (ع) لهشام بن الحكم والتدبر فيه، فإن فيه معارفاً عظيمة، وهو الحديث الثاني عشر من الجزء الأول في أصول الكافي.

20 يونيه 2014

No comments:

Post a Comment