لفت انتباهي وأنا أتنقل بين قنوات التلفزيون عنوان أحد البرامج التلفزيونية "من قتل السيارة الكهربية؟" تجد هذا البرنامج على اليوتيوب.. وإن أردت أن ترى كيف تلعب السياسة في حياتنا وتسيطر على عقولنا وأفكارنا وسلوكياتنا بل حتى ميولنا ورغباتنا، فعليك باقتطاع وقت لمشاهدة هذا البرنامج.. الطريف أن بين السيارة والسياسة اختلاف حرف واحد فقط..
حوى البرنامج على الكثير من المعلومات التي تغيب عن علم الكثير من الناس.. ملخصا أن فكرة وجود مصدر طاقة ثاني لتشغيل السيارات كانت حلما موجودا منذ سنوات طويلة خصوصا لارتفاع معدل التلوث الحاصل من جراء استخدام النفط كوقود.. هذا الحلم تحقق في احد كراجات (طبيلة) أحد المهندسين.. وكان الدزاين متطورا جدا عن النماذج الأخرى للسيارات التي تعتمد الكهرباء.. اشترت الدزاين شركة جنرال موتور.. وتم تصنيع سيارة تفوق مواصفاتها مواصفات السيارة العادية سرعة وهدوء ونظافة، وفوق ذلك فإن تكلفتها لم تكن عالية.. إلا أن الفكرة تم قتلها من عدة أطراف أحدها شركة جنرال موتور.. لن أذكر أكثر من ذلك علك أيها القارئ أن تشتاق لمطالعة هذا الفيديو..
يكشف هذا البرنامج مدى قوة تأثير السياسة (بمفهومها الأعم) في صياغة ثقافة الناس.. فما هو حسن وجميل ومفيد قد تقوم السياسة عن طريق ذراعها الأخطبوطي القوي -الإعلام- بتحويله إلى قبيح وضار بل وخطير جدا، والعكس صحيح.. وقد أبدعت السياسة في تشكيل وصياغة ثقافات جديدة لدى المجتمعات.. خذ على سبيل المثال قناني المياه الصحية التي لم تكن بهذا الانتشار قبل عقدين أو ثلاثة وأصبحت الآن منتشرة بشكل شاسع بحيث أن الفرد ربما لا يتجرأ خوفا على صحته من شرب ماء لا يخرج من قنينة الماء.. تم ضخ إعلامي كبير جدا على أهمية تصفية الماء (مع أنه لا يختلف كثيرا عن مياه الخنفيات)، مع كل ما للقنينات البلاستيكية من خطر على صحة الإنسان.. ومع ذلك تم تشكيل ثقافة أن الصحة تكمن في ماء محفوظ في قنينة بلاستيكية (قابلة للتسرطن)..
أنت هدف.. ولتتم عملية إحكام السيطرة عليك، لا بد من صياغة تفكيرك ومشاعرك (ثقافتك) لكي تقوم تلقائيا بسلوكيات وممارسات تؤدي أغراض المسيطر.. وقد نجح الإقتصاد في قطع أشواط كبيرة في السيطرة على مجتمعاتنا.. وفي تصوري أنه تمكن منا عندما قام بالتالي:
1. إيجاد الرغبة فينا: إذ أن الكثير من المنتجات والخدمات تغرى الإنسان في أن يقتنيها وبأسعار معقولة.. فتتكون الرغبة فينا شيئا فشيئا.. ويكفي أنها تظل فينا رغبة في بادئ الأمر لأن هناك قابلية لتطوير هذه الرغبة مستقبلا.
2. تحويل الرغبة إلى حاجة: وهذه من أخطر الأمور التي تساهم في إحكام سيطرة الإقتصاد علينا.. فبمجرد أن يقتنع الفرد منا بحاجته للسلعة أو الخدمة الفلانية، فقد تمت عملية السيطرة وبإحكام..
الآن.. قم بهذا التدريب واجري عملية جرد لما حولك.. ماذا تجد؟ تلفون، آيباد، سيارة، خدمة انترنيت، كردت كارد، أثاث منزلي، حفلة تخرج من الروضة لطفلي، ..إلخ. ثم اسأل نفسك هذا السؤال، هل أحتاج فعلا لهذه السلعة أو الخدمة؟
لست بصدد تزهيدك في رغبات الحياة، لكن في الحقيقة كم من هذه الرغبات تحولت لدينا إلى حاجات أثقلت كاهلنا اقتصاديا وجعلتنا نكرف ليلا ونهارا من أجل توفيرها؟ ثم نشتكي أننا لا نستطيع توفير مبلغ من المال أو نعيش على الحديدة!
قلت قبل قليل أنت مستهدف.. وأنت مستهدف لأن تكون مستهلك.. وعليه لا بد من السيطرة على تفكيرك لتظل مستهلكا على طول الخط.. الكثير من الاختراعات موجودة بالفعل لكن لا يتم طرحها في السوق لأنها تخرجك (أو تخفف) من حالتك الاستهلاكية.. انظر الى هالملعونة "بطارية الهاتف" التي لا تعمل إلا عدة ساعات، هل تعلم أن هناك بطاريات تعمل لفترات طويلة، أو أن تقنية الهاتف تعمل على الطاقة الشمسية، أو أو أو.. أو تغيير الزيت (الآيل) في السيارة أو البلكات أو أو أو -على فكرة أحد الأطراف التي ساهمت في قتل السيارة الكهربية كان تهديد سوق قطع الغيارات-. عندما أقول "قتل" فهذا ما حصل بالضبط لهذه السيارات.. فقد تم قتلها وتقطعيها الى قطع صغيرة جدا جدا وبوحشية تامة (يشبه اﻷعمال الإرهابية التي تقوم بها الأنظمة القمعية والمجموعات المتطرفة)..
7 يونيه 2014
No comments:
Post a Comment