Saturday, June 7, 2014

الحراك .. بينَ الاستراتِيجية، والتَكتِيك ! // ابو مقداد




في كلِّ مشروعٍ لابدَّ من وجودِ خطةٍ استراتيجيةٍ يسيرُ وفقها المشروع طوالَ الدَّرب، ولابدَّ من تكتيكات يتمُّ التعامل بها حسبَ الظروف وفقَ خططٍ مُعينة، فالاستراتيجية هي: الخطةُ الشاملة و فنّ التخطيط لتحقيقِ أهداف مشروعٍ أو حراكٍ ما، قبلَ بدئه،ِ ودراسة إمكانية تحقيق هذه الأهداف وإن كانت على المدى البعيد، وفن إدارة هذه الخطط وفق الاستراتيجية المعتمدة أثناء تنفيذ المشروع أو الحراك، ومن المهم جدا الإلتزام بالخطة الاستراتيجية وعدم تغييرها في منتصفِ الطريق إن لم يتم التأكد من أن أساسَ الإستراتيجيةِ خاطئ..
أما التكتيك فهو: تكييف الخطة وفق الموقف والظروف الزمانية والمكانية" الزمكانية"دون الإبتعاد عن الخطة الاستراتيجية، وبمثابة خطةٍ جزئية لتحقيق هدف جزئي من الهدف الكبير، أي بمثابة ردة فعل قصيرة المدى وآنية وتحققُ نتائج فورية.
لذلك فإن التكتيكات تتدخل بشكلٍ مباشرٍ في كسب أو خسارة المعركة، بينما الاستراتيجية تتدخل مباشرة بكسب أو خسارة الحرب كلها، كأن يكون التكتيك في خطة لترويج مُنتَج، بينما الاستراتيجية لإنجاح المشروع ككل!

لذلك فالمعصومين جميعهم التزموا بخطة السماء الاستراتيجية، وكل حالة منهم اتخذت تكتيكًا خاصًا وفق الظروف الزمكانية، فنرى النبي الذي يخوض غزوة بدرٍ في السنة الثانية للهجرة، يعود بعد ست سنين من الهجرة، ليوقع صلح الحديبية مع قريش ذاتهم الذين حاربهم في غزوة بدر، لأنه رأى بأن تكتيك صلح الحديبية، يصب بشكل مباشر في مصلحة خطة نشر الإسلام الاستراتيجية، وفي سيرة الإمام الحسين عليه السلام، سنجدهُ استمرَّ في صلحِ أخيهِ الإمام الحسن بعد وفاته لمدة عشر سنين، حتى أن وصل للمرحلةِ الأخيرة فاقتضت مصلحة خطته الإستراتيجية أن يقولَ في وجهِ يزيد "مثلي لا يبايعُ مثله" و "لا أعطيكم بيدي إعطاءَ الذليل"  أيضًا لو تابعنا موقف الإمام الرضا لاحقا بقبوله بولاية عهدِ فاسقٍ فاجرٍ كالمأمون ابن هارون الرشيد، سنصل لذات الفكرة، حيث أن تباين المواقف بينَ المعصومين لا يدل على تناقضهم أو على اختلافهم أبدًا، إنما نحن نعتقد ونؤمن بأنهم جميعًا يعتمدون ويعملون بذات المنهج وذات الفكرة، وأنهم جميعا يسيرون وفق ذات الاستراتيجية التي بدأها محمد النبي حين تلقى الرسالة من السماء، بينما كل واحدٍ منهم كان يعملُ وفقَ تكتيكاته الخاصة، بحسب ما تقتضيهِ الظروفُ آنذاك ..

وحيثُ إنا نعتقدُ بهذا الإعتقاد، لا يصحُّ لنا إذن أن نعتمد تكتيكًا واحدًا من تكتيكات الأئمةِ ونُسقطهُ على كلِّ حالةِ نعيشها،  أي لا يصح أن نُسقِطَ حالة صلح الإمام الحسن عليهِ السلام وصلح الحديبية على كل حالة، ولا يصح أيضًا إسقاط حروب عليٍّ الثلاث وغيرها من مواقف المعصومين على كل الحالات، فلكل تكتيكٍ منهم ظرفهُ الخاص وأسبابه الموضوعية الخاصة به، ولابد من دراسة هذه الظروف والأسباب الموضوعية لكل حالة قبل إسقاطِها على أي ظرف.


من المقال السابق "مقدمات صناعة الدين"*، ومما سبق ذكره في هذا المقال، نستنتج أنَّ مشروعَ رسالة السماء التي قادها محمدٌ صلى الله عليه وآله، لم تكن آنية ولحظية، إنما هو مشروعٌ كاملٌ ثبَّتَ أركانهُ النبي، وشرحهُ وبيَّنَ ملامحهُ وفعَّلهُ المعصومون، ومن بعد الغيبةِ الكبرىً أوكِلَت مهمة حملهِ وتفعيلهِ لعموم الشيعة، لذلك فنحنُ اليوم من نحملُ مسؤولية تفعيل مشروع السماء، ومشروع النبي والمعصومين، ومسؤولية قراءة تاريخ النبي وأهل بيته بموضوعية وتجرد، لنتمكن من الإستفادة منها في واقعنا وظرفنا الحالي.
أيضا، لابد من العمل وفق استراتيجية السماء، والتعامل معها كمشروع طويل المدى، بدأ منذ "إقرأ" ولابد له أن يستمر للأبد..
فحراكنا بالأمس، واليوم، وربما غدًا ضد أي قوةٍ من قوى الظلم والإستبداد، لابد منه، ولكن لابد أولا أن يخضع لمقارنةٍ مع استراتيجية محمد، وتكتيك المعصومين، قبل البدء، وأثناءه، وبعده، فنتوافقُ مع ما توافق معه.

نقفُ هنا ونعود في مقال الأسبوع القادم لاستعراض بعض ملامح هذا المشروع من زوايا أخرى ..


* وصلة المقال السابق (مقدمات صناعة الدين)
http://ertiqabh.blogspot.com/2014/05/blog-post_6848.html

٧/٦/٢٠١٤

No comments:

Post a Comment