Saturday, June 21, 2014

تغاير الأفهام وتعدد الصور // ز.كاظم



قبل فترة طويلة طُرِحت علينا فكرة أن نجتمع كمجموعة شباب ونقوم بمطالعة كتاب على شكل جماعي. الطريقة هي أن يقوم جميع أفراد المجموعة بالاجتماع أسبوعياً لفترة ساعة واحدة، على أن يقوم جميع أفراد المجموعة بقراءة الأجزاء المقررة بينما يقوم أحدنا -بالتناوب- بشرح الأجزاء المقروءة. تم الاتفاق على قراءة كتاب "المرسل.. الرسول.. الرسول" للشهيد محمد باقر الصدر (قده).

الجميل في هذه الفكرة هي عدة نقاط:

1. أن الجميع يقومون بالقراءة قبل الاجتماع، وفي هذه الطريقة عملية من التحضير والإعداد تساعد الأفراد في جعل اجتماعهم مثمراً ومفيداً. وقد استفدتُ كثيراً من هذه الطريقة في حياتي العملية. فهناك فارق بين أن تحضر اجتماعاً وانت مستعدٌ له وقد قمت بالتحضير المسبق وبين أن تحضر وأنت لا تعلم من الاجتماع إلا عنوانه.

2. عملية التحضير والإعداد المُبكّر تساهم في أن تكون الاجتماعات أكثر فائدة فلا يتم تضييع الوقت في شرح الأجزاء المقروءة للأفراد الآخرين بل تتم عملية المناقشة والحوار بعد تقديم موجز عن ما تم قراءته في الأجزاء المقررة. وهذه الفائدة أرى أهميتها الآن في الحياة العملية، فالكثير من الاجتماعات تُستنزف على البعض الذي لم يكلف نفسه عناء الاطلاع والبحث المبكّر. هناك بعض الأفراد قد يتم استغراق الاجتماع لأكثر من نصفه على إجابة لأسئلتهم التي كان بالإمكان الإجابة منهم عليها لم قاموا ببعض الإعداد والتحضير. 

3. اختلاف الأفهام، وهذا هو محور هذه المقالة وعليه أقول:

كان من أغرب الأمور وأشوقها بالنسبة لي هو اختلاف أفهامنا كمجموعة نقرأ أسطراً محددة من كتاب واحد ولكاتب واحد.. يأتي الذي عليه مهمة الشرح فيشرح فهمه للأفكار المطروحة في الأجزاء المقرر قراءتها، فينبري الآخر معترضاً على الشرح ويطرح فهماً مغايراً، ويقوم ثالث معترضاً إما على الإثنين أو متفقاً مع أحدهما، وهكذا.. كانت تلك الأجواء بحق ممتعة إذ ترى بصورة جلية تغاير الأفهام بين مجموعة مترابطة ومتقاربة في الأعمار، لكنها مختلفة في أبعاد أخرى من ضمنها الفهم.. ليس بالضرورة أحدنا أفهم من الآخر، فهذا ليس ما أعنيه، بل الذي أعنيه هو اختلاف الفهم وتباينه وهي حالة جميلة جداً تجعلك تنظر للأمر الواحد بعدة زوايا وأبعاد مختلفة..

في أحد مواد الإلقاء "speech" في الجامعة أمثلة تُطرح على مسألة تغاير واختلاف الأفهام أطرح منها اثنين. المثال الأول: تجعل مجموعة في حلقة دائرية وتهمس في أذن الأول بمعلومة أو قضية ما بدون أن يسمع الآخرين، فيقوم الآخر بهمس ما قلته له في أذن الذي على يمينه، وهكذا تستمر العملية حتى يتم نقل المعلومة على جميع أفراد الدائرة. ثم يُطلب من الأخير أن يصرح بالمعلومة على الملأ. في أغلب الأحيان تكون المعلومة الأخيرة مختلفة جداً عن الذي همستَ به في أذن الأول. تأمل الآن في مسألة سماعك عَن ما يُنقل لك، فليس بالضرورة أن يكون الذي نقل لك كاذباً أو مفترياً وإنما قد يكون فهمه مخالفاً للنقل، وبالتالي فهو ينقل لك فهمه للمعلومة أو للأمر.

المثال الثاني: عند يحدث حادث -أي حادث، سواء حادث سيارة أو عراك أو حوار- أمام أنظار عدة أشخاص، فعندما تقوم باستطلاع ما رأوه بأعينهم وسمعوه بآذانهم كلاً على حِدة، فإنك تجد اختلافاً بينهم، وهذا راجع لعدم أمور من ضمنها تفاوت الأفهام واختلافها. وقد يتحكم في هذا التفاوت عدة أمور، من ضمنها الزاوية التي يُنظر منها، أو الالتفات الدقيق للحادث والتركيز عليه، أو الحالة النفسية والذهنية للأشخاص.. إلخ. وعند الاستطلاع تكتشف أن لديك ربما صوراً متعددة ومختلفة لحادث واحد.

الأمثلة من الحياة الأسرية والاجتماعية والسياسية وووو كثيرة على تغاير الأفهام وتباينها، فعندما يأتي إليك ابنك ليخبرك عن مسألة ما، فحذاري من أن تتسرع وتتهمه بالكذب (وهذه عادة تربوية خاطئة جداً تساهم في تعليم الطفل الكذب) فلربما فهمه أوصل له الصورة التي نقلها لك وليس بالضرورة أن تكون الصورة كاملة أو سليمة. وعندما تسمع من الآخر رأياً معيناً أو قصة ما، فحاذر من أن تقبل أو ترفض ما يقوله بل حاول أن تفهم فهمه فلربما تتساعدان على الوصول إلى الصورة الحقيقية للقصة أو الرأي.

التغاير في الأفهام عملية جميلة جداً متى ما تم التعامل معها بصورة صحيحة، فهي قد تكون محركاً لفهم الأمور من زوايا عديدة، وقد تشكّل في ايضاح المواقف وفهم الأمور بشكل بدقة أكثر وأشمل. من الأمور التي تساهم في عرقلة عملية فهم الآخر هو الاستعجال في الحكم على فهم الآخر بدون النظر إلى فهمه من زاويته، وكذلك أيضاً فإننا قد نجعل من تغاير الأفهام مدعاة وسبباً للخلاف والتناحر وهذه علمية تستنزف الجهود والطاقات ولا تساهم في حلحلة وفهم القضايا.. هناك اختلاف وتغاير في الأذواق والأشكال والألوان و في كل زاوية من زوايا هذه الدنيا ترى عملية التغاير والتمايز ولا تشكل هذه الحقيقة من التمايز والتغاير أي حساسية عندنا بل نتقبلها كحقيقة وواقع موجود في هذه الحياة، بل نستفيد منها كثيراً في تشكيل لوحات فنية جميلة بتمايز الألوان، وتنتعش التجارة باختلاف الأذواق، ألا يجدر بنا أن نجعل من تغاير الأفهام وتمايزها قوة حقيقة تفيدنا وتفيد مجتمعاتنا؟

20 يونيه 2014

No comments:

Post a Comment