Friday, November 7, 2014

الشُيُوعِيَّةُ، وإنْ غَابَ أو (غُيِّبَ) رَسْمُها (2) - الرؤية // محمد علي العلوي



 
هل كان سقوطُ الدولةِ السوفيتية سقوطًا لنظريات الفكر الشيوعي الماركسي؟
 
عندما نقرأ مراسلات ماركس وأنجلز، وحينما نتأمل أدبيات الحزب الشيوعي، نقف على أن التنظير الأول للشيوعية يقوم على تحليل الصراعات في المجتمعات البشرية، ويقال أنَّ البناء في تحليلاتهم يستند إلى الديالكتيك الذي آمن به ماركس وأنجلز، ولكنَّ الذي أراه هو أنَّهما انتهيا إلى الديالكتيك ولم ينطلقا منه.
 
تعرض الطرح الشيوعي في القرن التاسع عشر الميلادي إلى هجمات أوربية قوية أرادت تقويضه، وكان استنادها في معركتها تلك إلى تصوير الحراك الشيوعي بحيث يخافه الناس، فهو (شبح) كما يصرح البيان في سطوره التمهيدية:
 
"شبحٌ ينتاب أوربا.. شبح الشيوعية.
ضد هذا الشبح اتحدتْ في طِرادٍ رهيب قوى أوربا العجوز كلها: البابا والقيصر ومترنيخ وغيزو، الراديكاليون الفرنسيون والبوليس الألماني
".
 
ويُظهِرُ البيان إنَّ كُلَّ حزب مُعارض فإنَّه أمام تهمة (الشيوعية) لا محالة، وهذا ما تُسوق له السلطات -بحسب زعم البيان-.
 
ثم قال: "ولهذه الغاية اجتمع في لندن شيوعيون من مختلف القوميات، ووضعوا البيان الآتي، الذي سيصدر باللغات: الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والإيطالية، والفلمنكية، والدنماركية".
 
بدأ البيان في فصله الأول تحت عنوان (برجوازيون وبروليتاريون) باستعراض الرؤية الشيوعية لحركة الصراع البشري على مَرِّ التاريخ، ومنها انتقل لتصوره الذي يصفه بالحتمي عن مستقبل المجتمع البشري، ويرى أنَّ المآل إلى تلاشي طبقات المجتمع وكُلِّ ما يميز طبقة عن أخرى.
 
يُرجِعُ بيان الحزب الشيوعي كُلَّ الصراعات المفصلية في المجتمع إلى الطبقية وما تورثه من ثقافات متضادة في ما بينها وغير ملائمة للطبيعة البشرية.
 
قال: "حُرٌّ وعبدٌ، نبيلٌ وعامِّي، بارون وقِنٌّ، معلم وصانع، وبكلمةٍ: ظالمون ومظلومون، في تعارض دائم، خاضوا حربًا متواصلة، تارةً معلنة، وطورًا مستترة، حربًا كانت تنتهي في كل مرة إمَّا بتحول ثوري للمجتمع كلِّه، إمَّا بهلاك كلتا الطبقتين المتصارعتين."
 
تحولات وانتقالات بين المكونات البشرية للطبقات، فالبرجوازية (العصرية) -بحسب البيان- ظهرت من أحشاء الإقطاعية، والمجتمع البشري يسير بخطى حتمية نحو انقسام ثنائي كبير يظهر في جبهتين هما: البرجوازية والبروليتاريا، ويرى الشيوعيون في أنفسهم الجهة المسؤولة عن تنظيم البروليتاريا على طريق الإنجاز الأكبر، وهو تلاشي الطبقات الفوارق في المجتمع البشري، غير إنَّ هذه المرحلة لم تحن بعد، ما لم يحدث الإنفجار (الثوري) الأعظم، وعنده يطرح الشيوعي نفسه وصيًّا شرعيًّا على (الثورة) في مرحلة الحسم.
 
وأمَّا في مرحلة ما قبل (الإنفجار) فإنَّ المهمة الشيوعية محصورة في تكريس ثقافة التمرد في عموم البروليتاريا ضد كُلِّ قانون لا يكون نابعًا منها، وكذلك تحطيم كل المقدسات والرمزيات، بما فيها (رمزية) الهدوء السياسي إذا ما عم مجتمعًا من المجتمعات، إذ إنَّ هذا الهدوء لا يمكنه الصمود أمام أي حركة ثورية.
 
يقول البيان: "وانتظام البروليتاريين في طبقة، وبالتالي في حزب سياسي، تنسفه مجددًا وفي كل لحظة مزاحمةٍ بين العمال أنفسهم، لكنَّه ينهض مرارًا وتكرارًا أقوى وأمتن وأشد يأسًا، ويستفيد من الانقسامات في صفوف البرجوازية، فينتزع الاعتراف على وجه قانوني ببعض مصالح العمال، مثل قانون العمل عشر ساعات (يوميًا) في إنجلترا".
 
نلاحظ هنا المحور الذي يُظهِرُه البيان في تحول الحراك من جوهر السعي نحو تلاشي الطبقات إلى مطالب معيشية تكون في هذه المرحلة هي الغاية القصوى، ومنها تستمد البروليتاريا قوتها في كل عودة لها، حتى باتت في حاجة إلى البرجوازية غاية ووجودًا، وكذلك البرجوازية لحماية نفسها في الأخطار الخارجية.
 
يقول البيان: "وعمومًا فإنَّ صدامات المجتمع القديم تدفع بطرق شتى بتطور البروليتاريا قدمًا، فالبرجوازية تعيش في صراع دائم:
في البدء، ضد الأرستقراطية، ثم ضد تلك الأقسام من البرجوازية نفسها، التي تتناقض مصالحها مع تقدم الصناعة، ثم بصورة دامة ضد برجوازية جميع البلدان الأجنبية.
وفي كل هذه الصراعات تجد البرجوازية نفسها مضطرة إلى الاستنجاد بالبروليتاريا، وطلب معونتها، وبذلك تجرُّها إلى المعترك السياسي.
وهكذا فإنَّ البرجوازية نفسها هي التي تزود البروليتاريا بعناصرها التثقيفية، أي بالأسلحة التي ترد عليها
".
 
أقول:
 
لا يستعرض البيان حراكًا مجتمعيًا تاريخيًا فحسب، بل هو -كما أرى- بصدد إظهار التمكن الشيوعي من مفاصل الثقافة العامة في المجتمعات، وذلك بعد أنَّ وجَّه الصراع البشري بحسب ما يتفق مع رؤاه الخاصة، وطوَّع كُلَّ حركة أو حتى فكرة لمصلحة ما يذهب إليه في بنائه الفلسفي.


أعتقد بأنَّ للفكرة الشيوعية حالة من الارتكاز في العمق الثقافي للمجتمعات بمختلف مكوناتها التي تشكل البروليتاريا، والخطورة في ذلك ليست في كون الشيوعية في بعدها العقائدي تنكر الخالق والأديان، ولكن لكونها تؤسس لحصر الخيارات الفكرية في خيار واحد، هو: المادة أصلًا وعملًا وانتاجًا، بل هي تدفع في هذا الاتجاه بكل رخيص ومُكلف.


لا يخفى على القارئ صنيع فلاديمير لينين في الثورة البلشفية، فهو قد أخرج الماركسية من النظرية إلى العملية الفعلية منطلقًا من ضرورة الثورة العنيفة ونظرية دكتاتورية البروليتاريا، فالماركسية التي يراها لينين تقول بأنَّ دكتاتورية وعنف السلطة البرجوازية لا يواجه إلا بدكتاتورية البروليتاريا وعنفها!
 
سؤالان أطرحهما الآن وفي خاتمة كل حلقة من حلقات هذه السلسلة:
 
بأيِّ عين وثقافة ونفسية وروحية نقرأ كتاب الله المجيد وأحاديث المعصومين (عليهم السلام)؟
 
هل نحن على الطريق الصحيح أو أننا في حاجة إلى مراجعات عاجلة وجادَّة جِدًّا؟
 
نلتقي في الأسبوع القادم مع الحلقة الثالثة إن شاء الله تعالى.
 
 
8 نوفمبر 2014

No comments:

Post a Comment