Friday, November 28, 2014

الفجوة القاتلة بين الأجيال // أبو مقداد

 
 
بملاحظة متوسط عمر الإنسان في عصرنا الحالي حوالي ٦٠ سنة تقريبًا، ينشأ الفرد عادةً بين جيلين أو ثلاثة على الأكثر، جيله وجيل أبيه وجده، ولكل جيل منهم أسلوبهُ وثقافته ونمط معيشته الخاص به، وغالبًا لا يتوافق بشكلٍ تام مع الجيل الآخر. هناك أشياء كثيرة تتغيّر بتغير الزمان، في ما يستحدثه النّاس من طريقة اللباس، والأكل والشرب، والتدفئة والتبريد، وطريقة الحياة، وطبيعة العلاقات الّتي يتحرّك فيها النّاس، وغيرها، هذه أمور تتغير.. هذا ما يؤكّده الإمام علي (ع) عندما قال: «ولا تخلّقوا أولادكم بأخلاقكم، فإنّهم خلقوا لِزَمانِ غير زمانكم». ليس من الضروري للأب أن يعوّد ابنه على عاداته وطريقته وعمله.
 
فالإنسان لديه طريقة في اللباس وفي الأكل، لأنّه عاش في زمن يحتاج إلى ما هو فيه، ولكن ولده يحتاج إلى طريقة مختلفة في الكلام والتخاطب، وفي العلاقات وفي الحياة. ليس من الضروري أن يكون الأبناء على صورة آبائهم في الأشياء المتحرّكة في الحياة..
وبالطبع ولا بد للإشارة هنا بمداخلة عرَضية بأن هذا الأمر يختلف مع المبادئ، لأنّ المبادئ لا تتغيّر، فحرام الله لا يتغيّر، لأنه لم ينطلق من حالة زمنية محدودة، حتى إذا تقّدَّم الزمن انتهت تلك الحالة، وكذلك الحلال لم ينطلق من حالة زمنية محددة، حتى إذا تغيّر الزمان تغيّرت تلك الحالة.
 
لذلك فحديثنا عن الأمور المتحركة، وأسلط الضوء في الحياة الاجتماعية هنا على بعض المشاريع التي يقودها المجتمع في تفعيل الحركة الإسلامية في المنطقة وأحاول من خلال هذا المقال أن أسلط الضوء على المشكلة وأسبابها والنتائج فالحل.
 
مرحلة الشباب العمرية ما بين الـ ٢٠ والـ ٣٥ سنة تقريبًا تكون غالبًا هي مرحلة ذروة عطاء الفرد، وقمة نشاطه وحيويته، قبل أن يبدأ في الخمول. طبعًا الإستثناءات كثيرة إلاّ أننا نتحدث هنا عن الحالة العامة. هذه المرحلة العمرية، في بدايتها تعاني من مشكلة رئيسية تعيقها في كل حراكها ونشاطها القادم، فالشباب في هذا العمر، يحتاجون لأن يبدؤوا نشاطهم من خلال إرثٍ تركَهُ لهم مَن سبقهم في ذات العمل، فيكملون من حيث انتهى السابقون، ويجرون الإصلاحات اللازمة التي تجعل العمل أو النشاط يلائمُ متطلبات العصر والجيل. ولكن المشكلة المتأصلة والمتجذرة عندنا بأن من يستلم منصبَ "رئيس" فهو حكم على نفسه بالرئاسة المؤبدة حتى يموت، وبذلك يفوّت الفرصة على الشباب الجدد أن يمارسوا إبداعهم وفق متطلبات العصر. ويظل الرئيس الخالد متصنمٌ في عرش رئاسته بذات النمط القديم الذي لم يعد يلبي الحاجة ويضطر الجميع لقبوله واحترامه لأنه إرادة الرئيس!!
 
فعلى سبيل المثال لا الحصر، الكثير من المآتم اليوم هي مآتم عوائل، البعضُ يسمى بشكل مباشر مأتم العائلة الفلانية، والآخر وإن لم يسمّى باسم العائلة فإدارته تحكمها العائلة الفلانية. على أية حال، فإن رئيس المأتم غالبًا يكون كبير العائلة والذي تخضع لسلطته كل شؤون المأتم الإدارية، والثقافية، والاقتصادية، وغيرها. فلو جاء أحد الشباب من أحفاده أو أبنائه ليضيف شيئًا ما في إدارة المأتم، أو ليصلح خللًا في سياسة المأتم، فإنه بالطبع لا بد أن يصمت احترامًا لرغبة الكبير. ولا يمكن لأحدٍ أن يفكر في تنحية هذا الكبير أو الرئيس مادام على قيد الحياة، لتبقى مسألة تطوير المأتم رهينةٌ بيد عزرائيل!!
 
وهذا مثالٌ لا حصر فيه وبالإمكان تطبيقهُ على كل المشاريع الثقافية، والشبابية، والأنشطة.
 
أينَ تقع المشكلة؟!
 
لنفترض أن الجد في أحسن الأحوال كان في عمر العشرين أي فترة شبابه في العام ١٩٦٥-١٩٧٠ ميلادية مثلًا، ومنذ ذاك الوقت وهو يمارسُ نشاطهُ الإجتماعي، بشتى صوره، فكيف سنتخيل أنه سيدير مشروعًا او مأتمًا في عام ٢٠١٤؟!
 
بالطبع سيديرها بذات العقلية التي مارسها منذ ٤٠ سنة وأكثر، وبالطبع هي لن تناسب شباب الـ ٢٠١٤.. ومن هنا تبدأ الفجوة القاتلة بين الأجيال، فلا الأول سيلبي طموح الثاني، ولا الثاني سيحصل على ما يرضيه من الأول. والمصيبة أن الشباب الذين يعانون من تسلط الآباء هم ذاتهم من سيمارس ذات التسلط على أبنائهم لاحقًا، مما سيكرس هذه العقلية الجامدة التي نتحدث عنها هنا.
 
بالطبع أن الآباء في المجتمع يشكلون عنصر خبرة مهم جدًا نتيجة تراكم التجارب، ولا يمكن الاستغناء عن هذا العنصر المهم، ولكن فرقٌ وشتان بين أن يمارس الآباء دور الخبراء، وأن يمارس دور المدراء.
 
فوجود الآباء والأجداد في مناصب الرئاسة والقرار في المشارع على حساب الشباب الواعي، سيكلفهم أولًا جمود المشاريع من التطوَّر والازدهار، ثانيًا سيتسبب في عزوف الكثير من الشباب عن المشروع ولو بعد حين.
 
إذًا ما الحل؟!
 
أتفهم جيدًا المزاج الحاد والصعب الذي يحمله كبار السن أحيانًا، وأتفهم إصرارهم على آرائهم وأفكارهم التي أصبحت باليةً بالنسبة لجيل الشاب، وأتفهم صعوبة كسر عادة اعتاد القدماء أن يمارسوها أو فكرة آمنوا بها، أتفهم ذلك ولكن المهم هنا التركيز على الزوايا المتاحة للتحرك وعدم إغفالها وإن صغُرت.. وعدم الاستسلام للزوايا التي يُشل فيها حراك الشباب.
 
أقول - والحديث للشباب هنا - صعوبة التغيير يجب أن لا تبعدك عن  فكرة التغيير أبدًا، فإن كنت عاجزًا عن تغيير أحدهم لسبب أو لآخر، فابدأ بنفسك بحيث أنك تحرص على أن لا يعاني الجيل القادم منك ما تعانيه أنت اليوم من الجيل السابق. ومَن يقول بأن تغيير الآخرين صعبٌ، فينبغي عليه أن يكون هو صاحب المرونة التي يتمكن من خلالها تغيير نفسه للأفضل. كما يحتاج الشباب فعلًا لإشاعة هذه الحالة بينهم وذلك لحماية الجيل القادم مما يعانيه هذا الجيل. فما يرفضهُ أبناء هذا الجيل لا ينبغي ممارسته مع الصغار، بدءًا من اليوم.
 
الأمر الثاني، لا بد من أن يجتهد الشباب في إقامة المشاريع الشبابية - شبابية، والتي تتناسب فعلًا مع هذا العصر ومتطلباته، وعدم الاكتفاء بما ورثه الآباءُ للشباب وحصر أنفسهم في الوقوف في الطابور القديم.
 
إن هذه المشاريع والمآتم والمنتديات وكل صرحٍ يُعنى بما نقوله هنا، يقع في مسؤليتي ومسؤوليتك ومسؤلية كل فردٍ متمكن من السير في هذا الطريق الرسالي، لذلك لا بد من المحافظة عليها وتنميتها وتقويمها باستمرار.
 
وعوضًا أن تكون بيننا وبين الجيل القادم فجوة، لا بد أن نجتهد لأن تكون حلقة وصلٍ نرشدهم ونُوجههم حسب ما نرى، ونترك لهم خيار حرية الاعتقاد.
 
 
29 نوفمبر 2014

No comments:

Post a Comment