Friday, November 28, 2014

خطيئة تمشي على قدمين // أم علي

 

لديه مثل ما لدينا من صفات خلقية وخُلقية غير أنه نكرة في المجتمع.. يلاحقه العار أينما ذهب وحل.. تتبعه العيون بنظرات مستفزة.. تثير ما بقي في نفسه من كرامة إنسانية بعد أن لطخت في ساعة غفلة ونزوة أعمت ذوي البصائر بصائرهم.
 
ماهي جريمته؟ ما ذنبه في أن يحمل جريرة غيره؟ وعلامَ تلاحقه فضيحة لم ترتكبها جوارحه؟ تلك أسئلة أخالها تتردد في ذهنه بحثًا عن إجابة لها، ولا يجد غير صفعات تلو الصفعات تجعله يرتد خائبًا يواري وجهه عن نظرات من حوله، ليبحث عمن يحتويه قلبًا وقالبًا.
 
اللقيط علامة استفهامٍ في جبهة مجتمعنا، ونقطة سوداء في صفحة كل علاقة غير سوية. وحكاية تبدأ من حيث ينتهي أبطالها دورهما.
 
اللقيط، ذلك المسمى التي تقشعر منه الأبدان وتستنكره العقول، ولكنه حكاية عن ألف حكاية، تدمي القلوب قبل العيون.
ما حكايته، ومن أين تبدأ أحداث قصته، أين دارت فصولها وأحداثها؟
متى كان زمانها وإلى أين انتهى بها؟ وهل حقًا انتهت حكايته بوجوده جسدًا بقلب ينبض، بعد أن ماتت قلوب أصحابه؟
 
خبرٌ أثار في نفسها انفعالًا بالغًا، أم تلقي بعارها بعد إن تخط بيدها جملة تعزي بها نفسها، وتسبقه بأسفها على تركها إياه، لتتلقفه الأيدي الحانية وتلوذ به إلى دار لرعايته ورعاية أمثاله.
 
ليست تلك الحادثة الأولى وليست الأخيرة طالما هناك قلوب ميتة وإنسانية محنطة لا تحس ولا تشعر.
 
بأي عقل نستطيع أن نستوعب مثل تلك القصص التي تفتق القلب حزنًا وكمدًا؟ وتستنكفه القلوب السليمة؟
وبأي مقال نستطيع أن نخاطب هذه وذاك بشنيع صنيعهما منطقًا وإنسانية؟
أي لذة تلك تخلفها صرخات طفل لن نعبأ به، وأي غريزة تلك تفقد صاحبها آدميته وإنسانيته ليركض خلف أصداءها مبتغيًا ارتواءً وهميًا ولذة ساعة يعقبها ألم وضياع؟
 
(قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)
 
ظاهرة مخيفة وإحصائيات مروعة تطالعنا بها الصحف يومًا بعد يوم عن لقيط التقط قرب قمامة! أو مسجد! أو في إحدى الأزقة الضيقة بعيدًا عن أعين البشر!!
 
هل أصبح الخوف النابع من بعض القلوب هو الخوف الناشئ من عقاب بشر تلاحقه في كل مكان؟
وأين الخوف من التي لا تنام عينه ولا تغفى؟ أين الخوف من الله جل شأنه الذي لا تخفى عنه خافية صغرت كانت أم كبرت؟
 
أأصبح الخوف البشري هو الذي يحرك الضمائر المتحجرة في لحظة ندم وأسف يجعل منها أن تلجأ لصنيع أفظع مما كان فقط لمجرد فضيحة؟!!
أسئلة تمور في الذهن ثائرة؟! لا إجابة لها إلا في عقول أصحاب ذلك الصنيع؟!
أي خزي هذا يلاحق الإنسانية اليوم؟! ومتى ستنهض تلك العقول من غفوتها؟!
تقول محدثتي، عرفته كريم الأخلاق، أبي النفس، رائع الشمائل غير إنه لقيط لا أب له ولا جد. حكايته موجعة تثير في قلبي تجاهه مزيدًا من العطف والرحمة والشفقة.. أشعر به جزءًا مني لا أستطيع الغنى عنه غير إني لا أستطيع محبته؟!
قلت لها ولِمَ: قالت: ألم أقل لك إنه لقيط!!!
كيف سينظر المجتمع لي أن اقترنت به؟! هل يقبل به أهلي وأنا من قبل بيننا؟!!
 
تفاطرتني الهموم بعد حديثها هذا! بأي جواب أقنعها ونفسي التي بجوانبي تقبل وترفض.
 
إن قلت ما ذنبه بجريرة أمه؟ أجابتني بأن العرق دساس يا أنتِ.
إن قلت: وهل حسابه كحساب واجداه؟ أجابتني (ولاتزر وازرة وزر أخرى).
 
إي مثالية تلك نتشدق بها، ونطحنها تحت أقدام الوجاهة الاجتماعية التي نؤمن بها.
نعم، إن كان ثمة مجتمعات تتعارك وتتصارع من أجل قبيلة تتعصب لها، فكيف بمن لا سند له ولا ملجأ سوى خالقه جلي علاه.
وإن نهض بنفسه وحقق لها مكاسب يتطلع لها كل امرئ، ستظل وصمة العار تلاحقه بمجرد ذكر اسمه؟!
 
اللقيط، متى ينتهي زمانه يا أنتم؟!
 
 
29 نوفمبر 2014

No comments:

Post a Comment