Friday, November 21, 2014

الشُيُوعِيَّةُ، وإنْ غَابَ أو (غُيِّبَ) رَسْمُها(4) "الشعارات الشيوعية ونظرية إلغاء العائلة" // محمد علي العلوي

 
 
هل تريد الشيوعيِّةُ (إلغاء العائلة)؟
 
أتطرق في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى إلى هذا الطرح الشيوعي، وأمَّا اليوم فالإشارات إلى شيءٍ من مقدِّماته الموضوعية.
 
أرجو أنْ يكون القارئ الكريم قد وقف على الهيكل العام للطرحة الشيوعية، ومن أهم معالمها توجيه وحصر الصراع بين البروليتاريا والبرجوازية، فالشيوعيُّ لا يرى خِيارًا أمام البروليتاريا غير مواجهة البرجوازية والتطاحن معها في مراحل متعاقبة وبصور مختلفة حتَّى تضمحل كُلُّ الطبقات في طبقة واحدة ليعُمَّ السلامُ أرجاءَ المعمورة.
 
كنتُ قد وعدتُّ منذ البداية بأن أترك القارئ وتتبعاته دون تدخل مباشر، ولا زلتُ عند وعدي، غير أنَّ الحاجة ملحة لطرح سؤال في المقام، وهو:
 
هل إنَّ حصر الخلاص من ظلم البرجوازية في المواجهة المذكورة أمرٌ صحيح، أم أنَّ هناك خيارات أكثر صحة ودقة من المواجهة المباشرة كما يصرح الشيوعي في بيانه وفي غير مكان؟
 
الجواب متروكٌ لكم..
................................................
 
إمَّا أن تكون (ثائرًا) وإلا فأنتَّ عبدٌ تستعملك البرجوازية ما دُمتَ مُدِرًّا لمعائشها، ولا يمكنك التخلص من شباكها الغليظة الدقيقة، وإن توهَّمْتَ نفسك حرًا، وفي ذلك يقول البيان:
 
"إنَّ كون المرء رأسماليًا لا يعني أنَّه يشغل مركزًا شخصيًا فحسب، بل يشغل أيضًا مركزًا مجتمعيًا في الإنتاج، فرأس المال هو نتاج جماعي، لا يمكن تحريكه إلا بنشاط مشترك لأعضاء كثيرين، بل إنَّه، في التحليل الأخير، لا يُحرَّك إلا بالنشاط المشترك لجميع أعضاء المجتمع.
 
فرأس المال إذن ليس فاعلية شخصية، بل فاعلية مجتمعية".
 
وبذلك فإنَّ الكُلَّ يعمل في خِدمة البرجوازية، شاء أم أبى، ومحور الوجود والبقاء لهذه الأخيرة هو استثمار العامل لمصلحتها. يقول البيان:
 
"فإنَّ الثمن الوسط للعمل المأجور هو الحدُّ الأدنى لأجر العمل، أي جملة وسائل العيش الضرورية لبقاء العامل كعامل على قيد الحياة. ومن ثُمَّ، فإنَّ ما يمتلكه العامل المأجور بجهده يكفي لإعادة إنتاج حياته".
 
هذا تحليلٌ شيوعي لفلسفة الأجور في الفكر البرجوازي، فمتوسط الأجور لا يساوي إلَّا الحدَّ الأدنى لأجر العمل، ووظيفته هي أن يعيد به العاملُ إنتاج نفسه لمواصلة بيع الجهد المحرك للعجلة الرأسمالية، فالعامل في حقيقته ليس أكثر من آلة صَمَّاء يُحافظ عليها بعمليات الصيانة المنتظمة والمستمرة حتى تُستهلك تمامًا أو ترمى بعد انتاج آلة أفضل وأكثر كفاءة منها، وهذه الصيانة الدورية للعامل في فلك المنظومة البرجوازية هي الأجر والإجازات السنوية والعلاوات والمنح الدراسية وتوفير السكن وغير ذلك..
 
ثُمَّ يقول الشيوعي في بيانه:
"فالعمل الحرُّ، في المجتمع البرجوازي، ليس سوى وسيلة لزيادة العمل المتراكم، والعمل المتراكم في المجتمع الشيوعي ليس سوى وسيلة لتوسيع السيرورة الحياتية للعمَّال، ولإغنائها وترقيتها".
 
وهنا يسجل البيان فرقًا مبنائيًّا بين البرجوازية والشيوعية، ومحلُّه أنَّ البرجوازية تدفع البروليتاريا للعمل والإنتاج من أجل بقائها وازدهار وجودها، في حين أنَّ الشيوعية تحارب أصل هذه الطبقية، فتُرجِع كُلَّ شيءٍ لمصلحة نفس العامل، لا للطبقية التي تُكَرِّسُ لها البرجوازية، ويؤكد على هذه الرؤية، فيقول:
 
"فالشيوعية لا تجرِّد أحدًا من القدرة على تملك منتجات مجتمعه، بل تنتَّزع فقط القدرة على استعباد عمل الغير بواسطة هذا التملك".
 
ويرى الشيوعي أنَّ هذا التوجه منه، هو منشأ التحرك الرأسمالي البرجوازي ضد الشيوعية، فيقول:
 
"لقد أُصِبتُم بالذعر -ويقصد البرجوازيين- لأنَّنا أردنا إلغاءَ الملكية الخاصَّة، ولكنَّ الملكية الخاصة في مجتمعكم الراهن، مُلغاة بالنسبة إلى تسعة أعشار أعضائه. إنَّها ضبطًا موجودة لأنَّها غير موجودة بالنسبة إلى الأعشار التسعة؛ فأنتُّم إذن تلوموننا لأنَّنا نريد إلغاء مُلكيَّةً تُفرض، كشرط ضروري لوجودها، انعدام الملكية بالنسبة إلى الأغلبية الساحقة من المجتمع.
 
وبكلمة، فإنَّكم تتَّهِمُونَنَا بأنَّنا نريد إلغاء ملكيتكم، وهذا بالتأكيد ما نريده".
 
يرفع الشيوعيُّ شعاراته لمصلحة البروليتاريا بفضحه للبرجوازية ومبانيها الفكرية، فهو إلى جانب المسحوقين الذين تعمل البرجوازية على استهلاك كلِّ ما يمكن استهلاكه فيهم لأجل بقائها مزدهرة، ولا خلاص من هذه العبودية المقيتة إلا (بانتزاع) حقِّ المساواة وإعدام الطبقية البرجوازية، والطريق الطبيعي إلى ذلك -بحسب الفكرة الشيوعية- هو:
 
(الثورة.. المقاومة.. النضال)، فإمَّا أن يلتحق (الأحرار) بشرف حركة البروليتاريا وإلا فالموت خيار قسري.
............................
 
لا يمكن فصل المنظومة الفكرية للبرجوازية عن الثقافة التربوية في المجتمع، ومن هنا يقول البيان:
 
"وإلغاء العائلة! حتى أكثر الراديكاليين تطرفًا تثور ثائرتهم على هذا القصد الدنيء للشيوعيين.
 
فعلامَ ترتكز العائلة الراهنة، العائلة البرجوازية؟ على رأس المال والتملك الخاص، وهي لا تُوجد بتمام تطورها إلا بالنسبة إلى البرجوازية، لكنَّها تجد تكملتها في الحرمان القسري من العائلة، بالنسبة للبروليتاري، وفي البغاء العلني.
 
والعائلة البرجوازية تضمحل طبعًا باضمحلال تكملتها، فلكتاهما تزولان بزوال رأس المال.
 
أتأخذون علينا أنَّنا نريد إلغاء استغلال الآباء والأمهات لأبنائهم؟ هذه الجريمة نعترف بها..".
 
من هنا يبدأ مقال الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى..
 
ويبقى سؤالان أطرحهما الآن وفي خاتمة كل حلقة من حلقات هذه السلسلة:
بأيِّ عينٍ وثقافةٍ ونَفْسِيَّةٍ ورُوحيَّةٍ نقرأ كتابَ الله المجيد وأحاديثَ المعصومين (عليهم السلام)؟
هل نحن على الطريق الصحيح أو أنَّنا في حاجة إلى مراجعات عاجلة وجادَّة جِدًّا؟

No comments:

Post a Comment