Friday, November 14, 2014

المستضعفون في الأرض // إيمان الحبيشي

 
 
على مر الزمان، ومنذ أن خلق الله آدم وحواء واهبًا إياهما قابيل وهابيل، وقصة الظالم والمظلوم، القوي والمستضعف، المعتدي والمعتدى عليه، مستمرة ما استمرت الحياة.
 
ها هي سور القرآن الكريم تمتلئ بقصص الأقوياء والمتجبرين، لا بين الحاكم والمحكوم فحسب، بل حتى حين يعصف الحب بقلب إنسان، فيحيله لأناني يطلب حبيبه قسرًا، وإلا أودعه السجن زورًا، كزليخة حين تبلّت على نبي من أنبياء الله! 
 
ها هو التاريخ يروي قصص الصراع الطاغي بين الظالم والمظلوم، قصص كانت ولا زالت تقسم الناس لفسطاطين واضحين، فسطاط الأقوياء المتجبرين وفسطاط الأبرياء المستضعفين. وحين نفتش قليلًا فسنجد أن المستضعفين على مر العصور ليسوا من فئة الجبناء ولا المتخاذلين -وإن لم تخلو منهم- فمنها الأنبياء والرسل وأولياء الله الصالحين، ورجال شُهد لهم بالفداء والتضحية، ألم يُستضعَف نوح عليه السلام وهو نبي الله من قومه حتى كان مثار سخريتهم؟! ألم يستضعف يوسف عليه السلام حتى أُودع سجنًا؟! ألم يستضعف آل البيت عليهم الله وهم خير خلق الله على الإطلاق؟! حتى سيقت من بلد لبلد زينب عليها السلام حفيدة خير نبي، وسليلة سيدتين من نساء العالمين هما خديجة بنت خويلد وفاطمة الزهراء عليهم السلام، ونوديت بالخارجية؟! حفيدة نبي الاسلام خارجية تساق كما يساق الإماء!! بعد واقعة قتل وحشي لأفراد عائلتها، معهم خير أصحاب للحسين عليه وعليهم السلام.
 
حين تبحر بين طيات الكتب، بعيدًا عن التأريخ الإسلامي، ستجد أن الصراع بين تلكم الطبقتين قد كان موضوعًا شغل الكثير من المفكرين والكتاب منهم كارل ماركس الذي يتحدث عن الصراع الدائم بين طبقات المجتمع محيلًا إياهما في أحايين كثيرة لذات الوصف (الظالم والمظلوم) أو (القوي والمستضعف). وإذا كان كارل ماكس قد تحدث وكتب عن ذلك الصراع ربما بمادية شديدة جازمًا أن سنن التغيير الاجتماعي إنما تعتمد على ذلك الصراع، وتفوّق طبقة مُستضعَفة لتتحول لطبقة مُستضعِفة، فإن التاريخ الإسلامي يحمل بين طياته شبه ثبات بين طبقتين هي طبقة القادرين المتجبرين الظالمين المنبوذين من الله، وطبقة المستضعفين أصحاب القيم والمبادئ الموعودين من الله. يقول عز من قال (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ).
 
اليوم نحن أكثر أمة تعيش الاستضعاف إن في الواقع الإسلامي العام، أو في الواقع الشيعي الخاص. الشعوب الإسلامية تعيش بين مطرقة الأنظمة العالمية والمحلية المتجبرة، وبين سندان الجماعات المتطرفة. وإن كانت قد ساهمت في استضعاف نفسها على مر العصور، باستسلامها لتلك الأنظمة، وإغراق عقلها في وحل الجهل، فإن الواقع الشيعي واستضعافه مختلف تمامًا، فقد لوحق العلويون وكل من ينتمي لخط الولاء لأهل البيت عليهم السلام، حتى بنيت على أجسادهم قواعد قصور جبابرة أزمنتهم، في توافق تاريخي مع ملاحقة الأئمة من ولد النبي محمد صل الله عليه وآله، وإن اختلفت درجته وكيفيته من إمام لإمام. ألم تنفض عن الإمام عليه علي السلام الأمة رغم وصية الله التي نقلها بكل أمانة رسوله ليتم بها دينه (من كنت مولاه فعلي مولاه)؟ ألم يُدسّ السم للإمام الحسن؟ ألم يُقتل ريحانة رسول الله أبشع قتلة حتى مُثِّل بجسده وسُلبت ثيابه ورُفع رأسه على الرماح مع إخوته وولده وأنصاره؟ ألم تسبى أخته وبنات رسول الله؟ ألم يكبل الإمام علي بن الحسين ليُساق وهو يشتكي العلة أسيرًا؟ ألم يسجن الإمام الكاظم عليه السلام سنوات طوال؟ والأمثلة أكثر من أن أتمكن من سردها..
 
ما أود أن أقوله، أننا اليوم وفي بلدنا الصغير حجمًا، المعقد واقعًا، نعيش ذات الاستضعاف، وإن كنا مطالبين بالعمل على أن نكون أمة قوية قادرة، إلا أننا أيضًا مطالبون أن نحمل بين طيات قلبنا ووعينا الثقة في موقعنا. نحن لم نُستضعف أساسًا لأننا ضعفاء بل لأننا ننتمي لأصحاب المبادئ والقيم والأخلاق الرفيعة. نُستضعف لأننا من فسطاط الموعودين من الله إن شاء الله.
 
نعيش اليوم وجع من فقدناه مقتولًا أبشع قتل، ونُقاسي لوعة فراق الأحبة مطاردين أو معتقلين أو مغربين، ونموت ألف مرة بينما تنتشر في أوساطنا تصويرات التعذيب البشع الممارس على بناتنا وأبنائنا، وتُستَفز غيرتنا بمداهمة البيوت لجر النساء للمعتقلات، وتغتال إنسانيتنا وكرامتنا كل حين، لكن كلمة أراها تشمخ بعمق فؤادي كلما شاهدت وعايشت واقع الاستهداف الموجع، كلمة قالتها السيدة زينب في مجلس يزيد:
 
(أظنَنْتَ يا يزيد حيث أخَذتَ علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبَحنا نُساق كما تُساق الأُسارى، أنّ بنا على الله هَوانًا وبك عليه كرامة؟! وأنّ ذلك لِعِظَم خَطَرِك عنده! فشَمَختَ بأنفِك، ونظرتَ في عِطفِك.. إلى أن قالت :مهلًا مهلا! أنَسِيتَ قول الله تعالى: ولا يَحسَبنَّ الذين كفروا أنّما نُملي لَهُم خيرٌ لأنفسِهِم، إنّما نُملي لَهُم ليزدادوا إثمًا ولهم عذابٌ مُهين).
 
اليوم وبينما تدخل للمعتقلات أكثر من عشر نساء تضاف لخمس أخريات، وربما كان العدد مرشح للارتفاع لا سمح الله:
(أتظنون أن بنا على الله هوانًا وبهم عليه كرامة؟!)
 
حاشى لله ذلك ..
 
(إنما نملي لهم ليزدادوا إثمًا).


15 نوفمبر 2014

No comments:

Post a Comment