Friday, November 14, 2014

الغيرة المجتمعية // أبو مقداد

 

يُنظمُ الإسلام مهامَ الرَّجل والمرأة، ويوزعُ أدوارهما في الحياة، ولكن لا يمكن أن يأخذَ أحدهما دورَ الآخر، فالمرأة وإن دخلت لسوق العمل، ستظل عاجزةً عن تحمل مسؤولية إدارة الأسرة بمفردها، والرجل مهما صنع سيظل عاجزًا عن تدبير شؤون المنزل في العائلة، ولكل قاعدةٍ استثناءات وهي بعيدة عن مرمى الكلام. و العجز هذا لا يعدُّ نقصًا في طرفٍ من الأطراف إنما هو اختلاف من الطبيعة البشرية والفطرية للجنسين.
 
تُمثل المرأة بالنسبة للرجل عرضه وشرفه، وقد اشتهر العربُ قديمًا ومنذ عصر الجاهلية بغيرتهم الشديدة على نسائهم وأعراضهم، ثم جاء الإسلام ليهذب وينظم هذا الأمر كي لا يتعامل بهِ في الفوضى، فحدد مناطق العورات، وأحكام الزينة والتبرج، وأحكام اللباس، وأحكام من يعتدي على الأعراض، وغيره، ليرسم لنا الخطوط السليمة والواضحة التي تحفظ للمرأة حشمتها، وتحمل الرجل مسؤولية حمايتها وأسلوب ممارسة غيرته عليها، بحيث أن لا تكون دياثةً ولا هوسًا.
 
وبحكم عامل العروبة والإسلام، فالمجتمع العربي المسلم بشكل عام هو أكثر المجتمعات غيرة، وفطرته السليمة تقتضي عليه أن يكون الرجل بالشهامة اللازمة لحماية شرف المرأة، وأن تكون المرأة عفيفةً شريفةً أمام الرجال، والحديث هنا عن الفطرة السليمة. وحتى بعد تطور الزمان وانفتاح المجتمعات على بعضها البعض، وإمكانية الاختلاط أو ضرورته في بعض الأحايين، لم يترك الدين هذه المسائل لفوضى التشخيصات العامة، إنما فرض حدوده وضوابطه وفق هذه الفطرة. وحين نتحدث عن أن الغيرة والشهامة والحمية مسألة من الثوابت، في مجتمعاتنا على الأقل، فهذا يعطينا الفكرة الأولية بأن نحكم على الجميع بأنهم ضمن القاعدة الثابتة، وإن الشواذ لا يمكنهم أن يغيروا ملامح هذه الفطرة ببساطة.
 
الغيرة السلبية والإيجابية:
يظن الكثير أن الغيرة المطلوبة والمستحسنة هي الغيرة المادية والخارجية كأن يغار الرجل على زوجته أو أمه من أن يعرف اسمها أجنبي أو أن تغار المرأة من أن يتزوج الرجل من امرأةٍ أُخرى تشاركها حبها لزوجها، غافلين عن سلوك الغيرة الصحيح، وهو أن يوفر الرجل للمرأة ما تحتاجه منه كزوج من أساسيات الحياة كالحب والأمان والمسكن والطمأنينه والرجولة والعاطفة والنُّصح وباقي الأمور. ثم يحميها من أن تنظر لها بسوء أو تمسها بما يخدش حياءها وعفتها. وأن تغار المرأة على الرجل بأن تعف نفسها عن غيره وأن تؤدي واجباته وتوفر حقوقه بحيث لا تقصر معه في أدائها الزوجي، وعلى المستوى الثاني تكون الغيرة الجسدية والمادية الخارجية.
التركيز على الغيرة السلبية وغض النظر عن الإيجابية هو ما ضيع المعنى الحقيقي والمطلوب من الغيرة، فتجد الرجل يهتم جدًا بمظاهر الغيرة المادية السلبية، وتثور ثائرته بسبب نظر رجلٍ لأخته أو زوجته، بينما يغفل متعمدًا حتى عن أبسط حقوقه كتوفير نفسه ووجوده في المنزل بحجة عدم وجود الداعي!!
 
هذه غيرة، من زاوية أخرى، نشاط المرأة الاجتماعي يحتاج أيضًا لغيرة من نوعٍ مختلف وهي الغيرة المجتمعية، فقد تعمل المرأة، وقد تقود السيارة، وقد تشارك في الأنشطة الاجتماعية، وقد تنخرط في العديد من المجالات، وهذا يُحتِّم على رجال المجتمع أن يتحلّوا بسمات الغيرة هذه. فمثلًا في بعض الأنشطة التي قد تحفها الخطورة، لا ينبغي أن يتركَ الرجلُ المجال للمرأة لأن ترمي نفسها فيه وإن أصرَّت على وجودها في هذه المواقع، فضلًا عن إن دفع الرجالُ عمدًا النساء لهذه المواقع الخطرة، وإن وقع عليها الخطر وأثره، فالرجال هؤلاء طبعًا هم من يتحملون مسؤلية وقوع الخطر عليهم، وهذا لا يغض النظر عن كون مصدر الضرر هو السبب الرئيسي للإضرار بهم، ولكن مصدر الضرر هذا قد لا نتمكن من منعه والتحكم به، بينما الحفاظ على النساء وتحمل مسؤوليتهم هو ما نملكه بيدنا. فلا يصحُّ أن ندفع بهؤلاء النسوة لمواقع الخطر وثم نتَّهم بقية المجتمع بفقدانه للغيرة إن وقع الخطر عليهم. فالغيرة يُسألُ عنها من دفعهم للخطر أولًا، فلا يمكنُ -مثلًا- أن يقدم أحدهم زوجته للحربِ وهي مهمته، وإن أُصيبت أو أُسرت أو قُتلت لامَ المجتمع على عدم فعل شيءٍ ما لتخليصها، فالحرب ليست المكان المناسب لوجودها فيه!!
كذلك فالمجتمع يقع على عاتقه من منطلق الغيرة المجتمعية، أن يرصد ويمنع أي سلوكٍ قد يتحول لظاهرةٍ فاسدة، ومقدمة للانحلال الأخلاقي. فلا يصح أن يستمر الفرد في غض نظره عن توجه فئة ما لإفساد مجتمعه بحجة أن لا دخل لنا في الآخرين، أو أنهم يقبلون على أنفسهم ما يمارسونه فلمَ أعترضُ أنا؟!
إهمال هذا الاهتمام بالصلاح المجتمعي هو تخلٍ عن المسؤولية الأخلاقية وفقدان لهذه الغيرة والحمية على المجتمع قد تنتج منها كوارث لا يمكن تداركها لاحقًا. لذلك فمن المهم جدًا أن نملك حس المسؤولية الأخلاقية تجاه كل السلوكيات المُمَارسَة في المجتمع، نشجع الصالح منها، ونُصلِح الفاسد.
 
تحتاج المجتمعات دائمًا لمراقبة مجتمعية واضحة ودقيقة تقييمية وتصحيحية تحميه من الانزلاق لمثل هذه المنزلقات، وحصد مثل هذه العواقب الوخيمة. ولا بد من الاستفادة من الأخطاء لتقويمها، فهي مسؤوليةٌ تقع على عاتق الجميع، وطبعًا للموضوع جوانب وزوايا عديدة تستحق التطرق لها أيضًا، ولكن نكتفي في هذا المقال بهذا المقدار عسى أن نُوَفَّقُ في المرات القادمة لتناول الموضوع من زوايا مختلفة.
 
 
15 نوفمبر 2014

No comments:

Post a Comment