Friday, February 20, 2015

الشُيُوعِيَّةُ، وإنْ غَابَ أو (غُيِّبَ) رَسْمُها (17) "مناقشات وردود (8)/ دكتاتورية البروليتاريا، والدكتاتورية الاستبدادية" // محمد علي العلوي



قد يكون الجامع لِمَا عرَّفوا بِه الدكتاتورية، هو إرادة وممارسة الإملاءات دون مراجعة ولا اعتبار لأحد، وقد تكون الدكتاتورية في شخص، وقد تكون في حكومة أو حزب أو مجموعة مُتَسَلِّطَة، والدكتاتورية ترى الآراء الأخرى، ولكنَّها لا تعترف بها، ولا تعيرها اهتمامًا.

أمَّا الاستبداد، فهو طلب (اللابديَّة)، أي: لا رأي ينفع إلَّا هذا، فالمستبد يعتقد تمامًا بأنَّه صاحب الحق المطلق، وبالتالي فهو لا يرى ما يستحق الاحترام والتنفيذ غير رأيه.

تشترك الدكتاتوريَّة والاستبداد في التفرُّد الإداري والأحادية الفكرية، وهذا مع الاختلاف النوعي بينهما؛ فالاستبداد إن لم يكن استبدادَ الحقِّ كما في الأحكام الشرعية بعد التحقُّقِ التام للشروط، وفي تشخيصات المعصوم (عليه السلام) أو من يمتلك الحقَّ في التشخيص والحكم وإنفاذ الحكم، فهو في الغالب من قبيل الجهل المركب، وأمَّا الدكتاتورية فقد تكون جهلًا بسيطًا، وهذا لا يشفع لها، ولكنَّني في مقام توضيح الفرق لا أكثر.

يقول بيان الحزب الشيوعيِّ: 

"فالبروليتاريا ستستخدم سلطتها السياسية لتَنتَزع من البرجوازية تدريجيا, رأس المال كله, و لِـتُمركز أدوات الإنتاج كلّها في أيدي الدولة, أي في أيدي البروليتاريا المنظَّمة في طبقة سائدة, و لتزيد حجم القوى المنتجة بأقصى سرعة ممكنة.

و في البداية, لا يمكن حدوث ذلك طبعا, إلاّ بالانتهاك الاستبدادي لحقّ الملكية و لعلاقات الإنتاج البرجوازية, أي بتدابير تبدو, اقتصاديا ناقصة و غير مأمونة البقاء, لكنّها تتجاوز نفسها في مجرى الحركة, و هي لا غنى عنها كوسيلة لقلب نمط الإنتاج بأسره".

ومن أدبيات الفكر الماركسي في دكتاتورية البروليتاريا:

"الحالة التي تسود فيها سلطة البروليتاريا، والتي تُقَامُ في أعقاب إزالة النظام الرأسمالي وتدمير أداة الدولة البورجوازية.

ودكتاتورية البروليتاريا هي المُحتَوى الأساسي للثَّورة الاشتراكيَّة وشرطٌ لازِمٌ لها، والنتيجةُ الرئيسيَّةُ لانتِّصارِها.

ولهذا السبب، فإنَّ دكتاتورية البروليتاريا هي القِسم الأساسيُّ في النظرية الماركسية اللينينية، إذ تستخدِمُ البروليتاريا سُلطتَها السياسية لقمع مقاومة المستغلِين، ولِدَعم انتصار الثَّورة، ولإحباط أيَّة محاولات لإعادة الحكم البورجوازي، ولضرب الأفعال العدوانية للرجعية الدولية. 

ومع ذلك فليست دكتاتورية البروليتاريا عُنفًا فحسب، وليست عُنفًا في الأساس، فمُهمَّتِها الأساسية مهمَّةُ خلَّاقة وبنَّاءة؛ إذ تُساعِدُ الدكتاتورية طبقة البروليتاريا على كسب جماهير الشعب العامل، وعلى جذبِهم إلى داخل البِناء الاشتراكي، بهدف القيام بعملية إعادة البناء الثوريِّ في جميع مجالات الحياة الاجتماعية – الاقتصاد والثقافة والحياة اليومية والتربية الشيوعية للشعب العامل وبناء المجتمع اللاطبقي الجديد. 

ودكتاتورية البروليتاريا هي الأداة الرئيسية في بناء الاشتراكية والشرط اللازم لانتصارها. 

والمبدأ الأساسي والأعلى لدكتاتورية البروليتاريا هو تحالف الطبقة العاملة والفلاحيَّة تحت قيادة الأولى، ويتَّسِع الأساس الاجتماعي لدكتاتورية البروليتاريا، ويكتسب استمراره، خلال عملية البناء الاشتراكي، مما يُفضي إلى تكوُّنِ الوحدة السياسية الاجتماعية والأيديولوجية للأمة.

والحزب الشيوعي – باعتباره طليعة الطبقة العاملة – هو القوَّة الأساسيَّة القائدة والموجِّهة في نظام دكتاتورية البروليتاريا.

ويضم نظام دكتاتورية البروليتاريا منظمات جماهيرية عديدة: هيئات الشعب التمثيلية، ونقابات العمال، والتعاونيات، وروابط الشباب، وغيرها، وهي تقوم بدور الرابط بين الدولة الاشتراكية والجماهير. 

وقد كانت كومونة باريس (1871) أوَّل دكتاتورية للبروليتاريا في التاريخ، وأسهمت بخبرة بالغة القيمة للماركسية، ومكَّنت ماركس من أن يحدس شكل الدولة في المجتمع الاشتراكي المقبل، والسوفييتات شكل جديد من دكتاتورية البروليتاريا، اكتشفه لينين عن طريق دراسته للثَّورتين الديمقراطيتين البورجوازيتين في روسيا، ثورة أعوام 1905-1907 وثورة فبراير عام 1917. وفي النهاية أدَّتْ التجربة الثورية الأخيرة إلى شكل آخر لدكتاتورية البروليتاريا، هو الديمقراطية الشعبية. 

ودكتاتورية البروليتاريا ليست هدفًا في ذاتها، إنَّما هي الأسلوب الوحيد الممكن والذي تُحّتِّمُه الضرورة التاريخيَّة للتحول إلى مجتمع بدون دكتاتورية وبدون طبقات".
المصدر: إرشيف الماركسيين على الإنترنت:

 
يبدو لي إنَّ فكرة (دكتاتورية البروليتاريا) فكرة استبدادية في المنشأ والتنظير والتطبيق، وهذا ما يتضح من المقولة اللينينية: "إنَّهم يخافون من الاعتراف بأنَّ ديكتاتورية البروليتاريا، هي أيضًا مرحلةٌ مِنْ مراحِل النِضَال الطبقيِّ المحتوم، طالما لم تُمْحَ الطبقات".

المصدر: الحوار المتمدن:
 http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=256770

ولنلاحظ بعض التعبيرات الواردة في النصوص السابقة:
انتزاع.. انتهاك استبدادي.. تدمير.. قمع..
تظهر لي طبيعة الفلسفة الشيوعيَّة عنفيّةً، لا تكترث بغير السير على الطريق المرسوم في نظرياتها، وتُبَرِّر الاستبداد وسيلةً لإصابة الغاية، وكأنَّها تقول: أرى ما لا ترون!

ولذلك نلاحظ البروز المُلفِت لنظرية الوصاية التي يحكم بها الحزب الشيوعي لنفسه، وفي فلكها يَفْرُضُ على غيرِه الدوران في فلكها.

ومن المهم الالتفات إلى إنَّ الأصل في تنفيذ الاستبداد هو ما أسميتُه (القيادة المعكوسة)، فالحزب الشيوعي يعطي القيادة للبروليتاريا ويؤكد عليها ويروج لمفهومها، وفي الواقع هي واقعة تحت التوجيه الثقافي للفكر الشيوعي الذي لا يعتني بشيوعيَّته في الجمهور، بقدر ما يعتني ويُرَكِّزُ على (الثورة) من خلال استبداد البروليتاريا.

• الإغراق المُغالطي:

المغالطة: هي تعمُّدُ تغليط الطرف الآخر بالإيهام الصِوري بما يُظِهرُ الاستدلال في ثوب الاستدلال البرهاني، فالمغالط يعتمد السيطرة على الآخر بما يبدو في ظاهره علميًّا يقينيًّا، ولكنَّه في الواقع "تضليلًا" كما يعبِّرُ الشيخ المظفر في كتاب المنطق (الفصل الخامس، صناعة المغالطة ص420).

تصعُبُ -في الواقع- محاورة المُغالِط والوصول معه إلى نتيجة مثمرة، خصوصًا إذا كانت ثقافته قائمة على المغالطات دون وعي منه..

يُقال: لا يفِلُّ الحديد إلَّا الحديد، ويُقال: يجب تسمية الأشياء بأسمائها، ويُقال: الثورة، يُشعِلُها الفقراءُ، ويَجني ثمارَها الجُبنَاءُ، ويستغلُّها الأغنياءُ..

وغيرها من الأقوال التي تبدو نتائج مسلَّمة!

أمَّا الحديد فإنَّه لا يُفلُّ بغير الحديد، لأنَّه من جنسه، ولا يُقال بأنَّ الأمثال لا تُعارض، فهذه مغالطة ثانيَة هنا؛ حيثُ إنَّ الغاية من هذا المثال هي التكريس لثقافة المواجهة بالمثل، في حين إنَّ الله تعالى يقول (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)، والردُّ على هذه المقولة سهل، لا أطيل الكلام فيه، مع الأخذ في الاعتبار دور القوة في قيام الأمر، وهذا أمر لا ننكره، ولكنَّ الكلام فيه لم يحن دوره بعد.

وأمَّا تسمية الأشياء بأسمائِها، فالأسماء متعدِّدة للشيء الواحد، ولا يمكن حصرها في خيار المغالِط فقط، فنحن نسمي المقابِلَ للنجاح، غيرَ توفيق، أو ما يشابه من تسميات وتعبيرات تؤدي نفس الغرض دون تعريض المحاورة لمنزلق الاستفزاز والردِّ وردِّ الردِّ، وهذا الأخير يُبَرَّرُ بمغالطات أخرى، مثل: 

حتى لا يحسبك.. 
لِمَ أُمنَعُ من الردِّ؟

وما نحو ذلك من توجيهات ناظرة إلى الآخر، وهي مطبَّات مغالطيَّة تحتاج لسلسة مقالات مستقلة!

ولا بُدَّ مِنَ الإشارة هنا إلى أنَّ تجريد الإنسان من عاطفته ومشاعره وأحاسيسه، أمر محال؛ فهو مركب منها ومن العقل، ولا يُراد له التنكر لشيء منها، كما ومن المهم الانتباه إلى التركيب الشخصي للإنسان في بعد الزماني، حيث البيئة والظروف وما نحو ذلك مما لا يُحصى، وهو ما يُوجِبُ على الإنسان أن يعمل بالاحتياط كثيرًا في تعامله مع الآخرين، وخصوصًا المؤمنين الصادقين، وقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام): " يَا طَالِبَ الْعِلْمِ، إِنَّ الْعِلْمَ ذُو فَضَائِلَ كَثِيرَةٍ: فَرَأْسُهُ التَّوَاضُعُ، وَعَيْنُهُ الْبَرَاءَةُ مِنَ الْحَسَدِ، وَأُذُنُهُ الْفَهْمُ، وَلِسَانُهُ الصِّدْقُ، وَحِفْظُهُ الْفَحْصُ، وَقَلْبُهُ حُسْنُ النِّيَّةِ، وَعَقْلُهُ مَعْرِفَةُ الأَشْيَاءِ وَالأُمُورُ الْوَاجِبَةُ، وَيَدُهُ الرَّحْمَةُ، وَرِجْلُهُ زِيَادَةُ الْعُلَمَاءِ، وَهِمَّتُهُ السَّلامَةُ، وَحِكْمَتُهُ الْوَرَعُ، وَمُسَتَقَرُّهُ النَّجَاةُ، وَقَائِدُهُ الْعَافِيَةُ، وَمَرْكَبُهُ الْوَفَاءُ، وَسِلاحُهُ لِينُ الْكَلِمَةِ، وَسَيْفُهُ الرِّضَا، وَفَرَسُهُ الْمُدَارَاةِ، وَجَيْشُهُ مُحَاوَرَةُ الْعُلَمَاءِ، وَمَالُهُ الأَدَبُ، وَذَخِيرَتُهُ اجْتِنَابُ الذُّنُوبِ، وَزَادُهُ الْمَعْرُوفُ، وَمَاؤُهُ الْمُوَادَعَةُ، وَدَلِيلُهُ الْهُدَى، وَرَفِيقُهُ صُحْبَةُ الأَخْيَارِ".

وقال الإمام الصادق (عليه السلام): "ثلاث من لم يكُنَّ فيه، لم يتُمَّ له عمل: ورعٌ يحجزه عن معاصي الله، وخُلُقٌ يداري به الناس، وحلمٌ يردُّ به جهل الجاهل"

أمَّا المطالبة بتغليب العقل، والانتباه للمعنى، فهذه مغالطة أكثر عمقًا وخطورة، إذ إنَّ التأثر العاطفي، ليس ضِدَّ العقل والتعقل، فتأمل جيِّدًا.

وبالنسبة للثورة ومن يُشعِلها، ومن يجني ثمارها، ومن يستغلّها، فهذا أمر لا يسعني الحديث فيه؛ فكمُّ المغالطات التي تقوم عليها هذه المقولة يحتاج لحديث حول المفاهيم ومقدِّماتها قبل أيِّ شيء، ولكن في الجملة أقول: فلنراجع صنيع الثائر فلاديمير لينين والثار جيفارا والثائر كاسترو والثائر معمَّر القذافي والثائر صدَّام، لنقف على حجم المغالطات في هذه المقولة!

  بعضٌ ممَّا مرَّ شبيه بالبرهان، وهو المغالطة بحسب الاصطلاح المنطقي، ولكنَّه ليس كذلك، فأمر آخر قد يرد الآن، وهو الحكم على هذه المقالات (الشُيُوعِيَّةُ، وإنْ غَابَ أو (غُيِّبَ) رَسْمُها) بأنَّها تعارض القيام على الظالم، وهذه ليست مغالطة على الإطلاق، بل هي وبحسب المصطلح المنطقي (مشاغبة)؛ إذ إنَّ تَشَبُّهَهَا بالجدل أقرب، بل أوضح من تشبُّهِها بالبرهان، ولتجاوز هذه (المشاغبة) أقول: لا.

هذه المقالات لا تُعارِض القيام على الظالم، ولكنَّ المشكل المعضل الذي تراه، هو التشابه الكبير بين بعض المفاهيم الإسلامية والإنسانية العالية وبين بعض من عنواين الطرح الشيوعيِّ، مثل: التضحية، وردِّ الظلم، والانتصار للمظلوم، وما نحو ذلك، وقد تطوَّرت اليوم إلى مفاهيم الجهاد والشهادة وغيرها مما أوقع التداخل فوقعتْ المغالطات والمشاغبات.

ولذلك، قلتُ بأنَّ التركيب آتٍ إن شاء الله تعالى في المرحلة الثالثة من مراحل هذه السلسلة.

• صناعة الدوران:

عندما يقَعُ الصِدام، تنحسر الحلول، وتزداد انحسارًا كلَّمَا اشتدَّ الردُّ وردُّ الردِّ، وفي المقابل تتسع دائرة التبريرات من أطراف الصدام، حتى يعود الأمر لمقولة الدجاجة والبيضة (مع إنِّي لا أراها مشكلة أصلًا، بل هي لا ترقى حتى لمستوى مشاغبة، فالدجاجة قبل البيضة ولا يحتاج الأمر إلى نباهة، فهي والديك كما كان أوَّل الخلق البشري).

وعلى أيَّة حال، تشتغل رسائل الإدانة وإدانة الإدانة، ونرجع إلى أنَّ الحديد لا يُفلُّ بغير الحديد، ثم تأتي ضرورة تسمية الأشياء بأسمائها، ويضيع عقرب البوصلة الذي يراه كلُّ طرف ثابتًا (بوضوح) في اتجاه خياراته!

 
تنطلق الكلمات كما بان قبل قليل:

واصلوا المسير نحو الحرِّيَّة ولا يشغلنَّكم المحبطون المثبِّطون، فأنتُّم أصحاب القرار، وأنتُّم قادة التغيير، ومن المقابل ترتفع شعارات مضادة، ولكِنَّ السِنْخِيَّةَ واحدة!

ويبقى سؤالان أطرحهُما الآن وفي خاتِمَة كل حلقة من حلقات هذه السلسلة:

بأيِّ عينٍ وثقافةٍ ونَفْسِيَّةٍ ورُوحيَّةٍ نقرأ كتابَ الله المجيد وأحاديثَ المعصومين (عليهم السلام)؟

هل نحن على الطريق الصحيح أو أنَّنا في حاجة إلى مراجعات عاجلة وجادَّة جِدًّا؟

نلتقي في الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى..
 
 
21 فبراير 2015

No comments:

Post a Comment