Tuesday, February 24, 2015

صالون ارتقاء الثقافي (السادس)

الجمعة/ ٢٠ فبراير ٢٠١٥م
 
 
 
 

((الوعي))

 
مفردةٌ كثُر استعمالُها في مجتمعاتنا وبشكل يومي، حتى صار باديًا أمر وضوحها والتمكن من مفهومها، غير إنَّ حقيقة الأمر، وعند التتبع بشيء من العلمية والتدقيق والنقاش تظهر على خلاف ما كُنَّا نظن!
 
كانت المناقشة في صالون ارتقاء الثقافي (السادس)، حول مفردة (الوعي)، وقد ظهرت سعة المفهوم وتَعَقُّدِه بما لم يكن ليخطر على بال الكثيرين.
 
اشتغل الكثيرُ من العلماء وذوي الاختصاص من أهل العرفان، والفلاسفة، وعلماء الاجتماع، وعلماء النفس، وغيرهم، في بحث (الوعي) مفردة ودلالة وحقيقة، وقد كان لِكُلٍّ اسهاماته العلمية والمعرفية في هذا المجال، لذلك اختلفت التعريفات، وتحديد المفاهيم، ولكن ثمة جامع مشترك اتفق عليه الجميع - تقريبًا -، وهو إنَّ الوعي:
 
كلمةٌ تُعَبِّرُ عن حالة عقلية يكون فيها العقل بحالة إدراكٍ وعلى تواصلٍ مباشرٍ مع المحيط الخارجي، وذلك عن طريق منافذ الوعي، وهي - أوَّليًّا - الحواس الخمس.
 
اتَّفَقَ أغلبُ الحاضرين على إنَّ الوعيَ عند الإنسان موجود من خِلْقَتِه (بالقوة)، وتوصَّلوا لضرورة التحذير من الخلط في المفاهيم، سواء عن قصدٍ أو عن غير قصدٍ:
 
فالوعي ليس مرادفًا للعلم.. ولا للحكمة.. ولا للفهم.. ولا (للثقافة)..
 
ولكنَّ الصحيح هو إنَّ هذه كلها أدوات للوعي، وليست هي الوعي.
 
يُقَسِّمُ بعضُ العلماء الوعي إلى وعي باطن (اللاوعي)، ووعي الذات، ثُمَّ إنَّهم يروونه في أربع مستويات:
 
1) الوعي العفوي التلقائي:
وهو ذلك النوع من الوعي الذي يكون أساس قيامنا بنشاط معين دون أن يتطلب مجهودًا ذهنيًا كبيرًا، فلا يمنعنا من مزاولة أيِّ نشاط آخر.
 
2) الوعي التأملي:
وهو وعيٌ يتطلب حضورًا ذهنيًا كبيرًا، غير مانع من مزاولة أيِّ نشاط آخر.
 
3) الوعي الحدسي:
وهو الوعي المباشر والفجائي  الذي يجعلنا ندرك الأشياء أو العلاقات أو المعرفة دون أن نكون قادرين على الإدلاء بدليل أو استدلال.
 
4) الوعي المعياري الأخلاقي:
وهو الذي يسمح لنا بإصدار أحكام قيمة على الأشياء والسلوك، فنرفضها أو نقبلها بناءً على قناعات أخلاقية، وغالبًا ما يرتبط هذا الوعي بمدى شعورنا بالمسؤولية تجاه أنفسنا وتجاه الآخرين.
 
إذًا الوعي موجود بالفطرة لدى كُلِّ إنسان، ولكن يختلف مستواه من واحد لآخر، نتيجة العملية المعقدة للوعي من استلام الصور والرموز من المحيط الخارجي عن طريق الحواس، وبالتالي فك وتركيب تلك الرموز بناءً على المستوى العلمي والثقافي والتجارب الشخصية للفرد.
 
ثمَّ دار الحديث حول الاتفاق مع علماء الغرب في جذور المفهوم وموضوعه، ولكن الاختلاف في البناء الفكري ومخرجاته، حيث إن المخرجات لدى هؤلاء العلماء خاضعة للمدارس التي ينتمون إليها.
 
وأُثيرت نقطة إنَّ الوعي موجود في الإنسان بالقوة (بالفطرة)، وكُلُّ إنسان واعي، إذ إنَّ عملية الوعي هي جمع وإدراك الصور والرموز وانطباعها في الوعي.
 
وأمَّا الوعي بالفعل، فهو الفعل والسلوك الخارجي للوعي، أو فلنقل: خارج حدود (النفس)، وهذا الفعل أو السلوك خاضع في مستواه وشكله للمستوى الثقافي ومدى صفاء أو تشوه تلك الثقافة التي تشكلت عبر عوامل كثيرة منذ ولادة الإنسان، ومن خلال ذلك السلوك نستطيع قياس مدى مستوى الوعي لدى الإنسان.
 
أسئلة للمناقشة في الصالون القادم إن شاء الله تعالى:
 
1) إذا سلمنا بما قيل، فهل التأثير الثقافي يلحق بالوعي بالقوة فقط، أو الوعي بالفعل فقط، أو بكليهما؟
 
2) أين موقع اللاوعي من هذه الأطروحة أو التفسير؟
 
3) هل فعلًا يمكن قياس الوعي بالقوة لدى الفرد من خلال الوعي بالفعل؟
 
هناك إشكالان:
 
1) كُلُّ قياس يحتاج إلى أدوات قياس محددة ومعايير واضحه وواحدة، ومن أكبر أزمات العلوم الإنسانية أنَّ مثل هذه الأدوات غير متحققه لاختلاف الأفعال وردات الأفعال والسمات الشخصية لكلِّ فرد ومجتمع بحسب الثقافات وما نحوها.
 
فهل نتمكن من إيجاد معايير خاصة لقياس مستوى الوعي في الفرد وفي المجتمع؟
 
2) إذا كانت عملية قياس الوعي تشخيصية، فمن يقيس وعي الآخر سوف يحتكم لثقافته الذاتية التي في حاجة لقياس وعيها، وبذلك لن تنتهي السلسلة.

No comments:

Post a Comment