Friday, February 20, 2015

المؤمنُ القويُ خيرٌ.. حقا! // إيمان الحبيشي

 
 

مَنْ منّا لم يسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((المؤمن القوي خيرٌ وأحّب إلى الله من المؤمن الضعيف)) ومَنْ منّا لم تطّرق أذنه وصّيته صلى الله عليه وآله: (عَلِّمُوا أبنَاءكُم السِّبَاحَةَ والرِّمَايَة)، ومَنْ منّا لم يمر أثناء قراءته للقرآن الكريم على الآية الشريفة: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ)..

نعتقد وهو اعتقاد حق، أن الإسلام لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا طرقها، كل جوانب الحياة الشخصية للفرد، والجماعية للمجتمع، والتنظيمية للدولة، وهندسة العلاقات والمعاملات، وكل مجال مما لا يتسع له مقام للذكر. وأحد أهم هذه الجوانب هي عوامل القوة في المجتمع، وأول ما يتبادر للذهن عند الحديث عن القوة، هو ما يمتلكه الفرد أو المجتمع من قدرات قتالية وأسلحة حربية يدفع بها عن نفسه ومجتمعه ودولته المخاطر.

تاريخيًا فإن المجتمع العربي وقبل ظهور الإسلام، كان يُلحِق الحق بالأقوى، من الناحية القتالية والعسكرية، فردًا كان أو قبيلة، فكان الأكثر قوة -أَصارَعَ حقًا أم باطلًا- يَذيع صيته بين العرب، وتخشى قبيلته بقية القبائل، ويصبح أحقُّ بالاتَّباع!!! وحين ظهر الإسلام، ألقى هوس العرب بالقوة العسكرية ثقله، مؤثّرًا في عملية الدخول للإسلام من قبل بعض القبائل العربية. وهو ما شرحه الدكتور علي الوردي في حديثه عن التاريخ الإسلامي، معتبرا أن الكثير من القبائل العربية لم تدخل الإسلام إلا حين قويت شوكته، وحقق انتصارات عسكرية مشهودة، فاكتسب الحق بالاتبّاع فاعتنقته لا معرفة به، بل توافقًا وطبيعتها النفسية والاجتماعية في نظرتها لعامل القوة.

اليوم تماهت الدولة الإسلامية، بل تلاشى الإسلام المحمدي الأصيل من مجتمعاتها، أمام هيمنة ثقافات الدول العظمى، وصارت تُحكُم بالنار والحديد من قبل من يدين لهذه الدول بالطاعة والولاء، فاختلفت دوافع الحاجة لتحصيل القوة بين الشعوب وبين حكوماتها. ففي الوقت الذي تنفق فيه تلك الدول ميزانيات ضخمة من ثروات البلاد من أجل تحصيل القوة العسكرية، للإمساك بزمام الأمور داخل البلد، كانت جماعات انفصالية أو ثورية تسعى لتحصيل القوة من أجل التحرر من سلطات بلادها، أو من سلطات الحاكم الحقيقي لحكومات بلدها، نتيجة الحيف والظلم مثلًا.

إذًا تعيش أغلب المجتمعات الإسلامية والعربية، حالة انفصال شديد بينها وبين الحكومات التي تحكمها، وهو ما يعني أن السلطة الحاكمة تسعى لتحصيل القوة مقابل نزع كل فرصة يمتلكها شعبها في تحصيله للقوة، وذلك من أجل أن تحافظ على بسط سيطرتها في عموم البلاد، ليس في المجال العسكري فحسب بل في كل مجالات الحياة، وأهمها تحصيل العلم لما له من دور كبير جدًا في تحصيل بقية جوانب القوة، فيسود الظلم والفساد والجهل دون وجود فرصة لتصحيح الوضع فضلًا عن القضاء عليه من قبل الشعوب التي صارت ضعيفة وواهنة. وهو ما ساهم في انتشار حالة من الشعور بالعجز في عموم تلك المجتمعات، فكيف يحارب الفساد ضعيف واهن فقير معوز جاهل؟

في رأيي فإن المشكلة التي تواجه تلك المجتمعات، هو تجمّدها في مفهوم القوة عند جانب وحيد، هو الجانب العسكري والقتالي، وتركها لبقية جوانب القوة التي من شأنها أن ترفع الحيف عنهم، وتمنع استهدافهم وضربهم وإن تدريجيًا، لتنقلهم لموقع التأثير الحقيقي في بلدانهم ومجتمعاتهم، ربما لاعتقاد توارثوه جيلًا بعد جيل.  بينما لم تتجمد عند ذلك تلك الحكومات الظالمة، فمن جانب صارت تقوَّي نفسها علميًا واقتصاديًا بل وحتى تاريخيًا، بوضع سيرة  تاريخية بحسب تفصيلها، ومن جانب آخر لاحقت المتعلّمين ممن يعارضها، وحرمت أفراد المجتمع من حرية التفكير والإبداع، ودفنت قدرات أبناء البلاد بتهميشهم وقتل الأمل في أرواحهم. وبمراجعة سريعة للدول الأكثر إنفاقًا على الجانب العسكري ستجد تلك الحكومات في أوائلها لكنها تقع في المراتب الأخيرة في قوائم الإنفاق على مجالات البحث والتطوير. فبلد مثل السعودية يقع في المرتبة الرابعة من حيث الإنفاق العسكري، ستجد أنه يقع في المرتبة الثانية والستين في الإنفاق على مجالات البحث والتطوير!! (1)
 
على عكس الدول التي تعنى حقًا بتنمية الإنسان في مجتمعاتها، وتهتم بالعنصر البشري وتعتبر دول ذات درجة من العدالة في التعامل مع الشعب، فبلد كأمريكا يحتل المرتبة الأولى في الإنفاق العسكري ستجد أنه أيضا يحتل المرتبة ذاتها في الإنفاق على برامج البحث والتطوير، وكذلك يفعل كيان غاصب كإسرائيل التي تقع في المرتبة الثامنة عشر في الإنفاق العسكري والمرتبة السابعة عشر في الإنفاق على مجالات البحث والتطوير. الهند وإيران والصين دول يتساوى فيها الإنفاق في المجال العسكري مع الإنفاق في مجال البحث والتطوير. (2)

اليوم ليس أمام الشعوب المستضعفة في الأرض أن تُحصِّل جوانب القوة العسكرية، كما أن الصراعات الداخلية المسلَّحة، ما بين حكومات وشعوب الدولة الواحدة، لم تثمر إلا مزيدًا من الظلم والقتل والدمار، والشواهد على ذلك حديثة ويمكن ببساطة وضعها أمامكم.

فهل يعني ذلك أن تستسلم الشعوب للسيوف المسلّة على رقابها؟ هل يعني ذلك أن تتجمد عند الطابع الاجتماعي والنفسي للإنسان العربي منذ ما قبل الإسلام؟ فتقف عند القوة العسكرية إما لتواجهها بصدر عار، فيسقط كل يوم مظلوم ثائر أتعبه حال البلاد والعباد، أو لينحني أمامها مطأطأ الرأس ليَسلَم من طلقاتها، غارقا في وحل العبودية والفقر والظلم؟!

أترك الإجابة لكم آملة أن أتمكن من مواصلة ذات الموضوع في مقال آخر ..


هوامش:

(1) قائمة بالدول حسب قيمة النفقات العسكرية بحسب أرقام وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية :
http://ar.m.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D9%84%D8%AD%D9%82:%D9%82%D8%A7%D8%A6%D9%85%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84_%D9%85%D9%86_%D8%AD%D9%8A%D8%AB_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D9%81%D8%A7%D9%82_%D9%81%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D8%A7%D9%84_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D9%8A#.D8.A5.D8.AD.D8.B5.D8.A7.D8.A6.D9.8A.D8.A7.D8.AA_.D9.85.D8.B9.D9.87.D8.AF_.D8.B3.D8.AA.D9.88.D9.83.D9.87.D9.88.D9.84.D9.85_.D8.A7.D9.84.D8.AF.D9.88.D9.84.D9.8A_.D9.84.D8.A3.D8.A8.D8.AD.D8.A7.D8.AB_.D8.A7.D9.84.D8.B3.D9.84.D8.A7.D9.85


(2) قائمة ترتيب الدول حسب الإنفاق على مجالات البحث والتطوير (مجمع من عدة مصادر):



21 فبراير 2015

No comments:

Post a Comment