Friday, February 13, 2015

القانون لا يحمي الـ ... ـمواطنين!! // أبو مقداد

 
 
يخلقُ اللهُ عز وجلّ الإنسانَ في أحسنِ تقويم، وحيثُ أنّهُ يولدُ بقدراتٍ عقليةٍ ضعيفةٍ، جديدًا على هذهِ الحياة، فإنّ ما تقودهُ أوَّلَ أَيامِ حياته هي (الفطرة)، وتبقى الفطرةُ ذاتها التي دلَّتهُ في أول يومٍ على مصنعِ غذائه من أمه، هي التي تقوده طوالَ حياته، الفرقُ في أنها حين تُولد معهُ تكونُ سليمة إلا أن الإنسان نفسهُ، أو بيئته ومحيطه الذي يعيشُ فيه، قد يشوهُ هذه الفطرةَ لتعمل بشكلٍ مختلفٍ عن حالتها السليمة والأصلية. أتت الأديان السماويّة على مرِّ التأريخ لتهذيب هذه التشوُّهات الطارئة على الفطرة، ولو أمعنّا النظر في أحكامِ الإسلامِ، لوجدنا الكثيرَ مما يُثبت بصورةٍ واضحةٍ أنَّ غاية التشريعات الإسلامية بتفاصيلها هيَ أن تعودَ الفطرة الإنسانية لجادتها، فلكل فعلٍ حرامٍ ما يُكفرُ عنه ولم يكن حرامًا إلا لما يؤثرهُ سلبًا إما على الفرد أو على المجتمع، ولكل واجبٍ ومستحبّ ما يؤثرهُ في السلوك الفردي أو في الحياة الاجتماعية. كما أن الإسلام وضع لنا قواعدَ مهمة كقاعدة: التائب من الذنب كمن لا ذنبَ له، وضرورة توافر أربعة شهود لإثبات إدانةٍ ما، أو وجوبَ الإفطار إن كانَ الصَّائمُ على سفرٍ، وغيرها من الأحكامِ والتشريعات التي تراعي وتُهذِّب الفطرة الإنسانية. ذلك لأن الإسلامَ جاء مُصلِحًا لحال الأمة والمجتمع، لا معاقبًا له، إلا حين يضطر لذلك وقف آليات محددة تحددها نوع المخالفة.
 
اليوم ومع تقدُّمِ الزمان، وبانتهاء الحكومات الإسلامية الحقيقية، فإن الدول عامَّة تلجأُ لسنِّ القوانين الوضعية الخاصة بكل دولة، وبغض النظر عن الحديث حول طريقة سنّ هذه القوانين، وموقف الإسلام منها، ومدى صحتها، نناقش اليوم إمكانية أن تكون هذه القوانين تصب في مصلحة الإنسانِ وإصلاحه، وهل تؤدي الدور الذي من شأنه أن يحفظ المجتمع أم مجرد اختزال نفسها كآلةٍ تعاقب من يخالفها ويشذ عنها؟!
 
يقول الكاتب في مدونة ارتقاء الأخ زهير كاظم في مقاله الأسبوع الماضي تحت عنوان (على ضفاف الذكريات 10) :" .... جاء دوري ونودي علي.. وقفتُ أمامها صامتًا وهي تنظرُ لأوراقي، لم ترفع بصرها إليَّ بل خاطبتني وهي لا تزال تنظر للأوراق. زهير كاظم، أراك قد حصلت على رخصة القيادة، وجددت التسجيل وأمنت السيارة، فماذا تريد أن تقول؟ قلت: لا شيء يا سعادة القاضية. رفعت ببصرها نحوي وابتسمَت وقالت الحكم فلم أسمعه جيدًا لأني كنت مرتبكًا.
 
خرجتُ لأدفع قيمة المخالفات، فقال لي كاتب المحكمة في قسم المخالفات: ثلاثة عشر دولار. قلتُ: كم؟ قال 13 دولار، فقد قامت القاضية بإسقاط مخالفاتي الرخصة والتأمين، وخُفِّضت مخالفة التسجيل من 31 دولارٍ إلى 13 دوار. دفعت قيمة المخالفة وخرجت من المحكمة مسرورًا."
 
وقفتُ عند هذه القصة لوقتٍ طويل، وأنا أفكر.. لأن المتهم عندهم ( في أميركا ) قد صحح خطأهُ وحصل على رخصة قيادةٍ وسجَّلَ السيارة وأمنها، قد أُسقطت بعض التهمِ عنه، وخُففت الأخرى، ماهوَ الهدف؟ وكيفَ هو الحالُ عندنا؟
 
اضطرتني هذه الحادثة أن أخوضَ مع صاحب القصة نقاشا خاصًّا حول وضع القضاء والمحاكمات هناك، محاولًا تفكيك معادلات القضاء بيننا وبينهم، وفهم الخلفيات القانوينة بين الحالتين، وما توصلت له، بأنه - رغم وجود العديد من الثغرات والمساوئ والأخطاء في القانون والقضاء، إلا أنه وكما اتضح لي أن هناك مساحة لا بأس بها من الثقة بين القضاء والمواطنين، أنهم يُفعِّلون مبدأ (المتهم بريء حتّى تثبت إدانته) بالمعنى الحقيقي مما يعزز الثقة الموجودة أًصلًا، ففي أي قضيةٍ، يكون المتهم هناك بريئًا حتى يتمكن الإدعاءُ العام من إثباتِ التهمة على نفس المتهم بلا أي احتمالٍ أو شكٍّ أو تردد، وأي إخفاقٍ من الإدعاء العام في إثبات التهمة، يعني أن المتهم بريء!
 
بينما في دولنا المسلمة، فأنت متهمٌ حتى إشعارٍ آخر، قد تثبت التهمة، قد لا تثبت، - أساسًا - قد توجد تهمة وقد لا توجد، إلا أن حكمك سواء بإخلاء السبيل أم بالإعدام عائدٌ لمزاجِ القاضي ولإجراءات لم يكشف لحد الآن آليةً لها سوى أن (المتهم مجرمٌ حتى تثبت براءته.. وربما حتى لو ثبتت)، كما أن القانون هنا (غفورٌ رحيمٌ) على بعضِ الأسماءِ، وهو (شديدُ العقابِ) على البعضِ الآخر، وهذا ما يعدمُ أي فرصة للثقة بينَ القضاء والمواطنين، فحتى لو أصدرت السلطة القضائية القوانين التي تصبُّ في مصلحة المواطن، فلن يتفاعل معها المواطنونَ تفاعلًا إيجابيًا، ولن تكسب احترامهم!
 
هذا ما وجدناهُ في (قانون المرور) الأخير، والذي أحدثَ ضجةً مؤخرًا في الأوساط الشعبية، بينَ مؤيدٍ يخشى على سلامة الناس، وبينَ معترضِ بسببٍ المبالغة في مبالغ العقوبات على المخالفات، وبين مستهزئٍ بالقانون وكأنه يعلمُ بأنه بعد فترةٍ سينساه الناس، ورجال المرور..!
 
لا أستغلُّ هذه المساحة للإشادة بالحالة في أمريكا، أو الانتقام من الحالة في البحرين، إنما أودُّ ان أوصلَ فكرةً مهمةً بأن سنَّ القانون يحتاجُ لأمرينِ مهمينِ جدًا:
 
الأول: هوَ أن يصب القانون في مصلحة المجتمعِ بصورةٍ حقيقيةٍ لا صورةٍ شكلية يتم من خلالها التفريق بين طبقات المجتمع، وأن يبدأ بتطبيق القانون من سنَّهُ لا أن يكون هو فوق القانون لصفتهِ الرَّسمية.
 
الثاني: أن يكون القانون وتطبيقهُ بالدرجة الأولى يحملُ هدفًا إصلاحيًّا وتصحيحيًّا، لا انتقاميا وعقابيا!
 
بهذين الأمرين سيتمكن واضع القانون من كسب الثقة من الجميع فيتم التعاطي مع القانون والنظام تعاطيًا إيجابيًا سيصب في نهاية المطاف لمصلحة المجتمع وأهداف القانون. بينما  الأمر الحاصل هو أنه وإن لم يختلف اثنان حول خطورة استخدام الهاتف مثلًا أثناء قيادة السيارة، إلا أن الكثير لا يستجيب لهذا القانون وإنما يخفي هاتفه لو مرت به سيارة شرطة المرور كي يُجَنِّبَ نفسهُ المخالفة فالمحاسبة، وهذا بالطبع ما لا يهدف له القانون !
 
طبعًا قانون المرور هو مجردُ مثال نعيشه اليوم، والفكرة المطروحة متعلقة بفكرة سن القوانين ككل، وأقولُ ملفتًا النظرِ لمسألة مهمةٍ في هذا الشأن، بأن سنَّ القوانين إن لم يكن منسجمًا مع العدالة السماوية والإنسانية والفطرية، فلا غرابة لو تمرَّد الناس عليه، فالإنسانُ السويُّ متحيِّزٌ لفطرته، ومن يخالف أو يتمرَّد على القانونُ العادل المنسجم مع فطرة الإنسانِ، فهو بالطبعِ ممن ذكرناهم في بداية المقال الذين تشوَّهت فطرتهم.
 
وفي رأيي بأنه لدينا هنا مشكلة أخرى، وهي مشكلةٌ سلوكية أخلاقية، ثقافية. فبالإضافة لانعدام الثقه وما ذكرناه أعلاه، إلا أنه لا يمكن تقويم سلوك وثقافة مجتمعٍ عبر سن القوانين والعقوبات فحسب، بل المسألة تحتاجُ لعلاجٍ ثقافي ربما يُعني هذا العلاج عن الكثير من القوانين، فمثلًا إن كانت ثقافة مجتمعٍ ما أنه لا يرمي الأوساخ في الشارع أبدًا، لن تحتاج لسن قانونٍ يُجرِّمُ من يرميها، وإن وضعت قانونًا بهذا الشأنِ فسيكونُ على الرَّفٍ قد لا تستخدمه أبدًا.
 
إذًا فهنا مسؤوليتان، الأولى أن يكسب صاحب القانون ثقة من سيُطَبَّق عليه القانون، والثانية مساهمة الجميع في المعالجة الثقافية لمناشئ وأسباب المخالفات قبل أن يعاقِب عليها القانون.
 
ختامًا أقول:
 
الخطاب في هذا المقال موجهٌ لك.. كدولة..  منظمة.. جهة ما.. مديرٍ في شركة.. رب أسرة.. كفرد في المجتمع.. كإنسان..
 
#فتأمَّــل!!
 
 
14 فبراير2015

No comments:

Post a Comment