Friday, February 20, 2015

المبادرة ليست مسؤوليتي // أبو مقداد



 
وليست مسؤوليتي، وليست مسؤوليته، وليست مسؤوليتك.. إذًا هي مسؤولية من؟!
 
يمتلئ المجتمع بالسلوكيات والأفكار والعادات، التي تحتاج بالضرورة لمن يحمل زمام المبادرة لتغييرها وتصحيحها، لكن قد تقفز بعض العقبات التي تعيق عجلة التغيير، أحاول أن أذكر بعضها، وأركز على البعض الآخر،،
 
- الاعتــــــــراف (بأننا مجتمعٌ يُخطئ) هو اعترافٌ صعب أن يصل لمرحلة البوح به وإن اقتنع الغالبية بهذه الأخطاء، ربما يتذمرون منها، ربما يتضررون أكثر من تذمرهم، إلا أن ملاحظتهم للخطأ، والبحث عن منشأ الخطأ، وتحليله لمعالجته أمرٌ غالبًا ما يقتربُ من المحظورات التي لا يجب أن يمسها أحد، سيما إن كانت هذه الملاحظات تمس جانبًا يتعلقُ بالعقيدةِ أو الدينِ.. ولعن الله الشاك!!
 
أرجو أن لا تفهم هذه دعوة للتشكيك في الدين أيضًا، فأكون من ضمن الملعونين، إنما هي دعوة لمراقبة السلوكيات بشكل عام لمعرفة منشأ الخلل وإصلاحه، ومكمن القوة وتحصينه!
 
- بعد نقاش هادئ، قد يعترف أن فعلًا هناكَ مشكلة ما، (لا بد) من ملاحقتها اجتماعيًا، و(نحتاج) أن نقضي عليها ونستبدلها بأمرٍ سليمٍ يتوافق مع فطرتنا كبشر، ودينٍ كالإسلام، (ويجب) أن نغيرها مهما كلف الأمر، و(ينبغي) علينا أن نوجد الحلول، والكثير من الإنشائيات من قبيل يجب وينبغي، قد تكون صحيحة لا مشكلة في ذلك، إنما بقاؤها حبيسة هذه الكلمات الوديّة هي المشكلة، فحين تطرحُ سؤالًا: يجب أن نغيرها، طيب، كيف نغيرها، وماهي الآلية، ومن سيغيرها، ويغيرها لماذا؟!

غالبًا لن تحصل على إجابة، لأن الأمر وكما يبدو تحولَ لأمرٍ جاد، قد تكون مخاطرةٌ فكرة الخوض فيه، لا تنسوا اللعنة المخيفة المصاحبةُ للشاك!

أيضًا أؤكد أني لست ضد عملية التنظير، بل أجدها مهمة وضرورية وأساسية، ولكن إن لم يكن التنظير خطوة تسبقُ خطوات عمليه، فسيكون إسراف

- في الجلسات الشبابية، كما أجربها وأحب أن أكون جزءًا منها، قد تثار قضية ما، دينية، عقائدية فكرية اجتماعية، أيَّا كانت القضية، وعلى فرض اجتياز المرحلتين السابقتين بنجاح، الاعتراف والتنظير، قد تشعر فعلًا بأنك أمام طاقات من الممكن أن تغير الأرضَ وما فيها، هنا تتساءل، هذه الطاقات، الإمكانيات، العقول، لِمَ تندثر وتتوارى عن عمليات التغيير؟!

في رأيي، أن مشكلةً من المشاكل التي تعطل ما سبقَ ذكره، هي ضعف عنصر المبادرة، والشعور بالمسؤولية عند الكثير، مما ينتجُ مجتمعًا اتكاليًا بامتياز، قد يكتشف الخطأ، وقد يتمكن من تحديد نقطة التصحيح، لكنه لا يملك حس المسؤولية الذي يدفعه للمبادرة، بل ينتظر أن يتبرع أحدهم لتحريك المياه الراكدة، فتشملهُ رياح التغيير. الأمر الذي سيوفر عليه أن يساهم في دفع تكلفة التغيير هذه، ويجني فوائدها بالمجان، وإن لم يتبرع أحدٌ ويغيرها، فلا حول لا قوة الا بالله ولا سبيل سوى الاستسلام!!

 
مثالٌ وشجون :-
 
نعاني في البحرين من عدة مشاكلٍ تجعل مستوى المعيشة والدخل للفردِ غالبًا في حالةٍ ضعيفة، كالبطالة وتدني مستوى الرواتب وغلاء الأسعار بشكلٍ عام، هذه مشكلة لا تخفى على الكثير فالغالبية يعانون منها، المشكلة أنه ورغم تدني مستوى المعيشة، إلا أن زيجاتنا تكادُ تمتلئ بمعاني الإسراف والتبذير بشكلٍ لا يجعلك تصدق أن فكرة الضعف المادي ممكنة.. فزيجاتنا ممتلئةٌ بالكماليات والشكليات بلا معنى ولا أهمية.

تبدأ المسألة من المهور، فالمتفق عليه اليوم أن مهر الفتاة لا بد أن يكون 1500 دينار، لا تقبل المساومة، ثم يتلوه طقمُ ذهبٍ قد يتراوح بحدود الألف دينار، ثم الفستان وبعضهن تريدُ أن تحتفظَ بفستان زفافها للذكرى فيكون سعره أكثر مما تستأجره الفتيات، ولا ننسى أهم نقطة وهي أن يكون حفل زفافها في صالةٍ فارهةٍ وبوفيه راقٍ وطاقم تصويرٍ خاص ووووو..

فتكلفة كل هذه المقدمات تعني أن على الشاب أن يدفع على أقل التقديرات 5000 دينار حتى يتمكن من الوصول لزوجته، نعم، سيدفعها رغمًا عنه حتى يحقق حلمه وحلم كل رجل، سيُسرفُ بلا تفكير حتى يكمل نصف دينه، وإن فكر سيكون بخيلًا في نظر أهل زوجته، سيدفع كل هذه المبالغ رغم أن راتبه الشهري لا يتعدى ال300 أو 400 دينار، حتى يبدأ في سيلٍ من الديون للبنوك وغيرها.

طبعا ليست كل الزيجات بهذه الطريقة، إنما أتحدث عن الغالب والمتعارف عليه، والمشكلة أن غالبية الرجال يشكون من هذه التكاليف التي حتمًا يرونها بلا فائدة، وربما بعد الزواج ستفهم النساء بأن زواجهم وديونه ساهم في تضييق معيشتهم كثيرًا، ولكن هذه المرأة حين يرزقها الله ببنت وتُقبل على الزواج، سيُفعل لزوج ابنتها ما فُعلته بزوجها!

الجميعُ يتأذى من هذا الإسراف والتبذير، وحين تفكر البنت في معاناة الرجل هذا حين يخطبها، فمن الصعبِ جدًا أن تكون هي نقطة بداية التغيير، بعضهن يفكرن أنهن إن بدأنَ بتقليل المهر، وتنازلن عن الرقم المتعارف عليه، سيقل شأنها عند الناسِ أو عند زوجها، والبعض يفكر "سأكون رخيصةً وسهلة عليه إن لم يكن مهريَ غالٍ"، أما مَن تتجرأ وتعلنها، لن أُسرفَ في زيجتي وسأراعي هذا الشاب الذي سيكون زوجي وشريك حياتي وسأتنازل عن المهر الغالي والكماليات، فببساطة ستثور عليها الأخريات "أنت لست أقل من بقية الفتيات، وهذه ليلةٌ في العمر، فافرحي بها"!

طبعًا الأمر يبدأ من قضية المهر، ولا ينتهي في صالح الأفراح، وأحسب أن لا أحد يتضرر من هذه المشكلة سوى المجتمع، كل المجتمع، وربما الجميع يعي لهذه المشكلة، ولكن من يملك حس المبادرة لتغييرها، ومن سيستجيبُ لمن يحاول التغيير فعلًا؟!

هذه مشكلة لا أظن أحدًا لم يعاني منها.. أو يعاني حاليًا منها.. أو سيعاني في المستقبل، والغريب فيها أنها في كل فترةٍ يُضاف إليها ما يزيدها تعقيدًا، ويضاف إليها أمرًا ما يتحول فيها لضرورةٍ دونَ مبادرةٍ حقيقيةٍ لعلاجها.

في حديث لي مع إحدى الأخوات المقبلات على الزواج، كنت أطرحُ هذه الفكرة ذاتها، وكانت تتفق معي في ما أقوله، إلا أنها علقت على الكلام بجملة أكاد أسمعها من لسان غالبية المقبلات، تقول: "أتفق معك أن هذه حالة موجوده وغالبة، ومشكلة حقيقية يعاني منها المجتمع، ولكن لا أستطيع أن أكون ضحية هذا التغيير وأن لا تكون حفلتي بمستوى حفلات صديقاتي".

إن مسألة الزيجات هذه، كالعديد من المشاكل التي نعاني منها، وكما قالت الأخت نعي بوجودها وأنها مشكلة حقيقية، ولكن لا نريد أن نكون ضحايا تغييرها، وفي رأيي أن علاج مشكلة الأنانية هذه، والتحلي بحس المسؤولية كفيلٌ بأن يعالج الكثير من مشكلاتنا الشخصية والمجتمعية.

ختامًا أقول: لأن من سيعاني من أمراض ومشكلات المجتمع.. هو أنا..  وأنت.. وهو بلا استثناء.. فعلاج هذه المشكلات لن يتم إن لم نبادر.. أنا.. وأنت.. وهو بلا استثناءٍ أيضًا!



21 فبراير 2015

No comments:

Post a Comment