Friday, February 27, 2015

القافلة // ياسر المعلم


 


إنها صحراء الحجاز في عام 61 للهجرة

امعن النظر، سترى تلال الرمال تعصف بها الريح.. دقق النظر في عمق الأجواء الرملية والصحراء القاحلة، سترى شبح قافلة تسير.. اقترب أكثر، إنهم أطفال ونساء ورجال، يطبق عليهم صمت غريب، ما خلا صوت النياق وحاديها.. أجسادهم مرهقة، ولكنهم يحثون الخطى في ثبات مهيب، وأرواحهم  تحلق شوقًا بين السماء والأرض.

حاول الإنصات مرة أخرى لتخترق صوت الريح المحملة بالرمال وتضرب في القافلة، بل تضرب في كل اتجاه، وتهز سكون المكان.. انصت جيدًا، ذلك الصوت الآتي من القافلة، أشبه ما يكون بدوي النحل، إنه صوت الأطفال والنساء والرجال، يتمتمون بذكر الله (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) وتسبّح الله.. إنه ذلك الاتصال واليقين الذي لا ينقطع بالله.. إنه ذلك الخشوع والتسليم بما هو آت.. إنها القناعة بالسير في ذلك الطريق، وياله من طريق طويل، شاق، ومتعب، تسير فيه  وحيدًا ضد كل الظروف القاسية.
 
 

- يا ترى ما هو سر تلك القافلة؟!
- وما هو سر الطمأنينة والتسليم؟! رغم المصير المفجع الذي ينتظرهم!!!
- ما هو سر هذا الثبات؟!
- كيف استطاعت صرخة الحسين أن تخترق صمت الصحراء المطبق وتدوي كلماته ومبادئه عبر العصور؟!.

كثير منا يعرف الإمام الحسين (ع) أو يحاول التعرف عليه من خلال تلك المعركة التي استمرت نصف نهار في تلك الصحراء، محاولًا اختزال الإمام الحسين (ع) في تلك السويعات.

إلى كل من أراد أن يعرف الحسين
إلى كل من أراد أن يمضي على نهج الحسين
إلى كل من أراد أن يركب سفينة الحسين
أدعوه إلى السير مع قافلة الحسين (ع) والقبض من أثرها.

تلك القافلة، التي يخطأ الكثيرون بأنها بدأت في حج ذلك العام، واهم من أراد فهم الحسين (ع) فبدأ خطواته من هناك.

قافلة الحسين ضاربة بجذورها في عمق التاريخ بل في عمق الخليقة، هي كلمة الله وإرادته (إني جاعل في الأرض خليفة).. إنها سر الوجود وسر المصير، سر العذاب وسر النعيم.

إنها رحلة الخلق والكون، وقوافل الرسل التي سارت كلها خلف تلك القافلة، لتقفل القافلة، وتعود إلى البدء، فمنهم البداية وإليهم النهاية.. وفي البدء كانت الكلمة، كلمة الله فيهم وبهم.

إنها حركة القافلة، تتحرك لتحرك الكون من حولها، تصنع المعجزة، تصنع الإنسان، الذي يرقى فوق مصاف الملائكة إذا ارتقى.

وواهم مرة أخرى من يتصور أن تلك القافلة قد توقفت في كربلاء، أو في قصر الطاغية يزيد، بل لا زالت تسير وتتحرك وتحرك الكون من حولها.


28 فبراير 2015

No comments:

Post a Comment