Friday, February 27, 2015

دقَّةُ اللَّفظ (مسؤولية) // محمود سهلان

 
 
"الدَّلالة: هيَ ما يوجبُ ادراكَ شيءٍ بسبب ادراكِ شيءٍ ملازم له". [خلاصة المنطق: ١٦].
 
وبما أنَّ كلامي ـ على الأغلب ـ سيدور حولَ الألفاظ، لذلكَ أورد تعريفَ الدَّلالة الوضعيَّة اللَّفظية، وهو: "دلالة الألفاظِ على معانيها، كدلالةِ لفظِ قلمٍ على معناه". [خلاصة المنطق: ١٧].
 
وكذلك عرَّف الشَّيخُ المظفَّر الدَّلالة اللَّفظية على أنَّها: "هي كونُ اللفظ بحالةِ ينشأ من العلم بصدوره من المتكلِّم العلم بالمعنى المقصودِ به". [المنطق: ٣٩].
 
لتعذُّر إيصال كلِّ المعاني للمخاطب لأسبابٍ مختلفة، من أهمِّها عدمُ تيسُّر إحضار كلِّ شيءٍ بعينه، كأنْ تريدَ معنى الأسد، فيصعب بشكلٍ شاقٍّ جدًا إحضارُه، وكذلك بعض الأحاسيسِ والمشاعر التي لا تُدرك بالحواسِّ الخمس، مثل: الحبِّ، والبغض، وغيرها. احتاجَ الإنسانُ لطريق آخر لإيصال هذه المعاني، واستعمالها في التَّواصل بينَه وبينَ أخيه الإنسان، وإنْ كانت بعضُ المعاني يمكنُ إيصالُها عن طرقٍ مختلفة، إلا أنَّ بعضَها لا يمكنُ إيصالُه بغير التَّلفظِ به، وأحيانًا أخرى يكونُ من بابِ الأفضليَّة بينَ طرقِ إيصال المعاني.
 
تحصل بينَ اللَّفظ والمعنى عُلقةٌ راسخةٌ بالذِّهن، بسببِ الملازمةِ الوضعيِّةِ بينهما، لدرجةٍ يكون الإنسانُ لا يستحضر الفارقَ بينهما إذا لمْ يلتفت، فيكونانِ كشيءٍ واحد، بل أنَّ الإنسانَ يكادُ لا يتمكَّن من التفَّكير إلا باستحضار الألفاظ وتداولِها في ذهنه، فكيفَ به وهو يتحدَّث مع غيره ويستقبل منه؟
 
عندما ندخلُ في نقاشٍ اليومَ، أيِّ نقاش، نجدُ الكثيرَ إنْ لمْ نقلِ الأغلب لا يهتمُّ بالألفاظ والمصطلحات كما يجب، بل يشيرُ البعضُ لعدم أهميَّة ذلك، ولكونه ترفًا ومبالغةً وما إلى ذلك، فهلْ ما يذهبون إليه صحيحٌ يا ترى؟
 
ببساطةٍ أقولُ: عندما نتداول أيَّ موضوع بالنِّقاش والحوار، فإنَّنا نحتاج لتحديده، ذلك لأنَّ عدم حدِّه، وحصرِ أفراده، وطردِ أغياره، يؤدِّي للخلط فيه لا محالة، بل أنَّ الأطراف التي تتناوله، قد تكونُ تتناولُ مواضيعَ مختلفةً تحتَ نفسِ العنوان، دونَ انتباه ومراعاة، لأنَّها تخلَّت عن أمرٍ أساسيٍّ ومهمٍّ للغاية.
 
فتترتَّبُ على هذا الإهمالِ وعدمِ الاهتمام، عدَّةُ أمور، منها:
- عدمُ الوصول لنتيجةٍ من الحوار القائم لعدمِ تحديدِ موضوعِهِ ومفهومِهِ في الأذهان، وعدمِ تعريفه.
- تحوُّلُ الحواراتِ القائمة لساحة معارك، للمغالبة بينَ بعض أو كلِّ الأطراف.
- (استغلالُ) بعضِ المغالطين والمشاغبين للوضعِ القائم، والسَّعةِ المتاحة لبثِّ مغالطاتِهِم ومشاغباتِهِم وثقافاتِهِم الهدَّامَة.
 
وغيرها من المحذورات..
 
لذلكَ ينبغي علينا محاولةُ التَّأسيسِ لحواراتِنا القائمة، والقادمة، على أسسٍ سليمة، ملائمةٍ لما عليه العقلاء، ومن أهمِّها مراعاةُ الألفاظِ والمفاهيم، والبدء بحدّ ِالمواضيع قدرَ الإمكان، ومحاولة الوصولِ لمرحلةٍ عاليةٍ من الدِّقة، فالبناءُ الذي سنبنيهِ لا بدَّ أنْ يكونَ أساسُهُ قويًا بما يكفي، كي لا ينحرفَ أو ينهدمَ على رؤوسِنا، ولا بدَّ من عدمِ الاستعجالِ بالانتقالِ للمصاديق قبلَ الانتهاءِ من المفهوم، والتوافقِ عليه، ليكونَ المنطلقُ واحدًا، كي لا أتحدَّثَ في موضوعٍ، وتتحدَّث في آخر، ويتحدَّثَ غيرُنا في ثالث، فلا ننتهي لنتيجةٍ أبدًا.
 
إنَّ مسؤوليةَ الكلمةِ والفكرِ تستدعي منَّا مراعاة هذه الأمورِ جيدًا، حتَّى لو أخذتْ منّا وقتًا طويلًا، وإلا فإنَّنا نهدمُ ولا نبني، ونتعاركُ ولا نتفاهم، ونَقتلُ ولا نُحيي، وبالتَّالي فإنَّ هذه المسؤوليةَ ـ تجاه الكلمة والفكر ـ تعكسُ حسَّ المسؤوليةِ لدينا تجاهَ المجتمعِ والإنسانيَّة، وإنْ لمْ نتحمَّلْ هذه المسؤوليةَ فالسُكوتُ أفضلُ بكثيرٍ من الخوضِ مع الخائضين..
 
 
٨ جمادى الأولى ١٤٣٦ هـ

No comments:

Post a Comment