Friday, March 13, 2015

الشُيُوعِيَّةُ، وإنْ غَابَ أو (غُيِّبَ) رَسْمُها (20) - "رُوى من القرآن والعترة (1) / الطبيعة الإنسانية في الوجود البشري - 1" // محمد علي العلوي


حاولتُ قدر الإمكان، وبحسب ما يناسب المقام - في نظري -، مناقشة المرتكز الأصل في النظرية الشيوعية، من خلال مرحلتين، تَوجَّهتْ الأولى للنصوص التي تتناول فلسفة الرؤية الشيوعية، وذلك بالاعتماد على ما ورد في بيان الحزب الشيوعي، ثُمَّ كانت الثانية لمناقشة بعض ما جاء فيها، مناقشةً التمستُ منها الإطمئنان لوضوح المُهِم من الرؤية الشيوعية وخصوصًا في بعدها الفلسفي.
 
يفتَتِحُ هذا المقالُ المرحلةَ الثالثة من السلسلة، وفيها أذهب إلى التركيز على الموضوع من خلال الرؤية الإسلامية القائمة على الثقلين المقدَّسين (القرآن والعترة)، ومن الله تعالى أسأل التوفيق والسداد.
____________________________________
 
في المُقَدَّمة، أبدأ بِنَصَّين شريفين من القرآن المجيد:
 
الأول: (وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ).
 
الثاني: (وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ).
 
خلق اللهُ تعالى الإنسانَ لِحيَاةِ الجَنَّةِ (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا)، ولِتلك الحياة صِفَةٌ خاصَّةٌ لها جانبان، أمَّا الأول فهو جانب التأهيل، في حين أنَّ الثاني بمثابة علة البقاء، ومن وجوه صفة الجنة أنَّ أهلها أهل سلام وسكينة ووئام وراحة واستقرار:
 
• (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
• (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ * لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ).
• (تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ).
• (أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا).
 
من الواضح إنَّ هذه الحالة التي يعيشها أهلُ الجنة حالةُ صعود وترقِّي على مدارج الإنسانية، وكلَّما قويت تلك الملكات في نفس الإنسان، كلَّما أصاب في الجنة طبقةً أعلى وأعلى، وقد جاء في وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأبي ذرٍ الغفاري (رضوان الله تعالى عليه): "يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَيُدْخِلُ قَوْماً الْجَنَّةَ فَيُعْطِيهِمْ حَتَّى يَمَلُّوا وَفَوْقَهُمْ قَوْمٌ فِي الدَّرَجَاتِ الْعُلَى فَإِذَا نَظَرُوا إِلَيْهِمْ عَرَفُوهُمْ فَيَقُولُونَ رَبَّنَا إِخْوَانُنَا كُنَّا مَعَهُمْ فِي الدُّنْيَا فَبِمَ فَضَّلْتَهُمْ عَلَيْنَا فَيُقَالُ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ إِنَّهُمْ كَانُوا يَجُوعُونَ حِينَ تَشْبَعُونَ وَ يَظْمَئُونَ حِينَ تَرْوَوْنَ وَ يَقُومُونَ حِينَ تَنَامُونَ وَ يَشْخَصُونَ حِينَ تَحْفَظُونَ".
 
ولكِنَّ حالة الصعود تلك، تقابِلُها حالةُ نزول وهبوط وتدارك، تبدأ بالمعصية، ثُمَّ في النار، ثُمَّ لا قرار، وقد قال تعالى:
 
(فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ)، وفي هذه الآية المباركة نلاحظ بوضوح تام، ترتُّبَ الإخراج من الجنة على الزلل ترتُّبًا مباشِرًا بلا فاصل (فأزلهما – فأخرجهما)، وهذا الإخراج إبعادٌ عن صفة الجنة التي تتجسد في الإنسان ثقافة وفكرًا وسلوكًا، ولذلك قال عزَّ وجلَّ (وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ).
 
فالجنة دار أمن ووئام وهناء واستقرار، وأمَّا الأرض فدار عداوة وبغض وشحناء وشقاء، ولكِنَّ الإنسانَ فيهما مختار، وفي الدور الأول من أدوار الابتلاء اختار الثانية بمعصيته (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى)، وهو اليوم في مراحل الدور الثاني (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ).
 
ومن لا يَتَّبِع هداه سبحانه وتعالى (قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِن لاَّ تَعْلَمُونَ).
 
يدخل الإنسان في هذه الحياة الدنيا جولات الخيار الحاسم، وهو فيها بين قوسين، قوسِ صعودٍ وعروجٍ وترقِّي، وقوسِ هبوطٍ وتسافلٍ وسقوطٍ، وهذا هو جوهر الابتلاء (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ)، والميزان في ذلك لا ينبغي أن يخرج عن معايير صفة الجنة، وكلَّما ابتعد الخيارُ عنها، كلَّما تحقَّق البُعْدُ أكثرَ وأكثرَ، والنتيجة المباشِرَة له، سلوك القوس الآخر، وهو قوس التسافل والسقوط.
 
عندما نُدَقِقُ في صراعات هذه الدنيا، فعلينا ملاحظة حالها من حيث القرب والبعد من المقاصد الإلهية، ومجرَّد القول بالصراع الطبقي في المجتمع البشري، فهذا نزوح مباشِرٌ لمصلحة قوس النزول؛ فالميزان في الواقع ليس بحسب الطبقة، ولا المال، ولا الحقوق الدنيوية، ولا شيء من شأنيات هذه النشأة، ما لم يسانخ القضية الكبرى مسانخة حقيقية لا تلبيسية تزويرية.
 
هذه مقدَّمةٌ وجودية للحلقات القادمة، أرجو أن تكون بدايةً تأسيسيَّةً صحيحةً لمناقشات قادمة، القصد منها تقديم نظرية إسلامية واضحة المعالم.

ويبقى سؤالان أطرحهُما الآن وفي خاتِمَة كل حلقة من حلقات هذه السلسلة:
 
بأيِّ عينٍ وثقافةٍ ونَفْسِيَّةٍ ورُوحيَّةٍ نقرأ كتابَ الله المجيد وأحاديثَ المعصومين (عليهم السلام)؟
 
هل نحن على الطريق الصحيح أو أنَّنا في حاجة إلى مراجعات عاجلة وجادَّة جِدًّا؟
 
نلتقي في الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى..
 
 
14 مارس 2015

No comments:

Post a Comment