Friday, March 27, 2015

جدّد حياتك بالتفاؤل // أم علي

 
 
التفاؤل شعور ينبع من أعماق النفس بالرضا والثقة الكاملة بحسن الظن بالله عز وجل، وقوة تتحول إلى راحة نفسية وجسدية، وسيطرة كاملة على مشاعر وأفكار متعبة، وهو نظرة إيجابية عندما توصد الأبواب، وتنهار الأماني. 

إن الإنسان المتفائل سعيدٌ في حياته، متوكل على ربه، طموح ومبادر لكل ما هو خير ورائع وجميلٍ فيرسم سعادته وسعادة الآخرين. والسعادة التي يخبئها الله لنا تختبئ دائمًا بينَ طياتِ حزن عمِيق أو ُكرب شديد لا تتطلب عناء بحث، بقدر ما تتطلب ثقة كاملة وصَبر جميل. والصبر الجميل هو أن تجعل شكواك لله. ويؤكد ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم "وإذا استعنت فاستعن بالله".

وديننا الحنيف يدعونا إلى التفاؤل وليس إلى التشاؤم واستباق الأمور التشاؤمية وليس إلى سوء الظن بالله. ولا يجوز لمسلم بصير بأمر دينه أن يستسلم للتشاؤم ويمَكِّنَه من قلبه وكيف يرضى المسلمون الصادقون الواعون ذلك لأنفسهم، وهم يقرؤون قولَ ربّهم عزّ وجلّ: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ)(يوسف/87). يقال في تفسير هذه الآية الكريمة: يقول تعالى مخبرًا عن يعقوب على نبينا وعليه أفضل السلام أنه ندب بنيه على الذهاب في الأرض يستعلمون أخبار يوسف وأخيه بنيامين، والتحسس يكون في الخير، والتجسس يكون في الشر، ونهضهم وبشرهم وأمرهم أن لا ييأسوا من روح اللّه أي لا يقطعوا رجاءهم وأملهم من اللّه فيما يرونه ويقصدونه فإنه لا يقطع الرجاء ولا ييأس من روح اللّه إلا القوم الكافرون، ويقال في قول الله عز وجل "وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ" فإن الرجاء يوجب للعبد السعي والاجتهاد فيما رجاه وأولى ما رجاه العباد هو فضل الله وإحسانه ورحمته وروحه، {إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} فإنهم لكفرهم يستبعدون رحمته، ورحمته بعيدة منهم، فلا تتشبهوا بالكافرين. ودل هذا على أنه بحسب إيمان العبد يكون رجاؤه وأمله في رحمة الله.

فكم هو جميلٌ أن نتفاءل عند الملمات
ورائعٌ أن نتفاءل عندما تتوالى علينا النكبات.

هو تشريعُ ربنا عز وجل وهو طوقُ نجاة لأ نفسنا. وقد أمرنا سيدنا ورسولنا صلى الله عليه وآله وسلم بالتفاؤل والأمل، ونبذ التشاؤم.

لا شيء كالأمل والتفاؤل بعد الإيمان يولّد الطّاقة، ويَحْفز الهمم، ويدفع إلى العمل، ويساعد على مواجهة الحاضر، وصنع المستقبل الأفضل. الأمل والتفاؤل قوّة واليأس والتشاؤم ضعف، الأمل والتفاؤل حياة واليأس والتشاؤم موت في مواجهة تحدّيات الحياة، حيث لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس.

النّاس صنفان: يائس متشائم يستبق الأمور التشاؤمية ويسيء الظن بالله و بنفسه وبالآخرين ويواجه تحدّيات الحياة بالهزيمة والهروب والاستسلام، ويصور المستقبل بنظرات سيئة انهزامية، وآمِلٌ متفائل يواجه الحياة بالصبر والكفاح، والشجاعة والإقدام، والضمان والثقة بنصر الله. فما أروع الأمل والتفاؤل، وما أحلاه في القلب. وما أعْوَنَه على مصابرة الشدائد والخطوب، وتحقيق المقاصد والغايات والآمال.

التشاؤم واليأس ثمرة من ثمرات الانهزام والانكسار والخيبة والفشل، وصفة من صفاته. فمن التفاؤل يولد الأمل، ومن الأمل يولد العمل، ومن العمل يولد النجاح. ومهما اختفت من حياتك أمور ظننت أنها سبب سعادتك تأكد أن الله صرفها عنك قبل أن تكون سببًا في تعاستك. إذا تعسرت أمورك، وهاجمتك الهموم والأحزان فثق بالله،  فهو كفيل بتفريج همك، وتيسيرأمورك، وإذا شعرت ببعد الناس عنك أو بوحشة أو غربة، فتذكر قرب الله منك.

يحكي الرواة أنه كان ملك معروف بتشاؤمه وكان له وزير عكسه تمامًا، وكان يستشيره في كل أموره وكان الملك يقربه منه ويصطحبه معه في كل مكان وكان كلما أصاب الملك ما يكدره قال له الوزير "لعله خيرًا" فيهدأ الملك.

في أحد الأيام خرج الملك إلى الصيد ورافقه الوزير وفي هذه الرحلة أصيب الملك في يده واضطر إلى قطع أصبعه وهو متذمر جدًا قال له الوزير لعله خيرًا؟ فغضب الملك غضبًا شديدًا وأمر بحبسه وفي طريقه إلى السجن قال: لعله خيرًا - متفائلًا-. ومرت الأيام، خرج الملك كعادته لممارسة هوايته المفضلة بالصيد وأثناء مطاردته لفريسته ابتعد كثيرًا عن حرسه ولم يدري بنفسه إلا في وسط قبيلة في الأدغال، يمارسون طقوسهم في تقديم قربان إلى الآلهة منتظرين أي شخص غريب يدخل قبيلتهم، وشاء أن يكون الملك؟ فربطوه وبينما هم يستعدون لقتله رأوا اصبعه المقطوع فأمرهم زعيمهم أن يطلقوا سراحه لأن القربان يجب أن يكون شخصًا كاملًا بدون عيب في جسده، وحين عودة الملك أمر بإطلاق سراح وزيره، وروى له قصته وبين له كيف أن اصبعه المقطوع هو الذي نجاه من الموت وأنه عنده حق في كلامه، ولكنه سأله قائلًا: لقد سمعتك تقول وأنت ذاهب إلى السجن لعله خير؟ وهل في السجن خير؟ فرد الوزير: يا أيها الملك لو لم أدخل السجن لكنت معك في رحلة الصيد وأنا ليس في جسمي عيب، لتركك أهل القبيلة ولقدموني أنا بدلًا منك إلى آلهتهم قربانًا.

يقول ديل كارنجي في كتابه "دع القلق وابدأ الحياة" حياتك من صنع أفكارك وذلك أن للإنسان تأثيرًا في أفكاره ومشاعره وسلوكياته حيث أن من أسرار النفس إذا راودتها أفكار سعيدة أصبحت سعيدة سليمة معافية، وإذا سيطرت عليها أفكار التعاسة غدت شقية وتعيسة.

لذلك إذا تملكتنا أفكار الخوف أوالمرض فغالبًا سوف نصير مرضى أو جبناء نشعر بالذلة. وإذا فكرنا في الإخفاق استولى علينا الفشل سريعًا، وإذا دأبنا نتحدث عن متاعبنا ونندب حظنا، ونرثي لأنفسنا فسوف يهجرنا الناس ويتجنبون صحبتنا، فكل واحد عنده ما يكفيه من المتاعب والمشكلات، لذلك، المتشائم يلعن الرياح و المتفائل يتوقع أن تكون سببًا فى تغيرالحال الراكد بينما الواقعي يضبط الشراع على وجهته. يقول ويليام آرثر وارد المتفائل هو مسافر بلا رحلة يرحل من اللامكان إلى السعادة.

نرى أن التشاؤم يفضي إلى الضعف بينما المتفائل يقود نفسه إلى راحة البال ويقود نفسه إلى القوة والنجاح. فعندما تكن متفائلًا فكل شىء ممكن. والمتفائل يرى أن أكثر المصائب في أغلب الأحيان ماهي إلا نعم مستترة. وهذا ما يؤكده قول الحق "وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شرٌ لكم".

يقول أحد المفكرين أجمل وأروع هندسة في العالم أن تبني جسرًا من الأمل على نهر من اليأس.

لماذا التشاؤم في كل صغيرة وكبيرة ولماذا الخوف إذا سيطرت عليك الهموم وأنت ترى الشمس لا تظلم في ناحية إلا و تضيء في ناحية أخرى؟ إذا فقدت مالك فقد ضاع منك شيء له قيمة، وإذا فقدت شرفك فقد ضاع منك شىء لا يقدر بقيمة، أما إذا فقدت الأمل فقد ضاع منك كل شيء. ليس المحزن أن يموت الإنسان، ولكن المحزن أن يموت ما بداخله.

يقول ويليام جيمس لا يجب أن ندع مخاوفنا تمنعنا من تحقيق أمانينا.

تأكد أيها المتشاؤم أنه عندما يغلق فى وجهك بابٌ، يجب أن تفتح باباً آخر. الغ كلمة مستحيل من قاموس حياتك. هي كلمة موجودة فقط في قاموس المغفلين والكسالى. ولا تذرف الدموع إذا ذهبت الشمس، فدموعك ستحجب عنك رؤية النجوم، وتأكد أنه عندما يغلق الله سبحانه وتعالى أمامنا بابًا ذلك لكي يفتح لنا بابًا آخرًا أفضل منه، والله يعلم وأنتم لا تعلمون.

ولكن معظم الناس يضيع تركيزه ووقته و طاقته في النظر إلى الباب الذي أغلق، بدلًا من باب الأمل الذي انفتح أمامه على مصراعيه فالأمل تلك النافذة الصغيرة التي مهما صغر حجمها إلا أنها تفتح آفاقًا واسعة في الحياة.


28 مارس 2015

No comments:

Post a Comment