Friday, March 20, 2015

ما خفي كان أبهى "العُبد" // أم علي

 
 
العُبِد "عبدالله" طفل العاشرة من عائلة مفككة تتجرع الحرمان يومًا بعد يوم،  فالوالد مدمن على المُـسـكر متنوع الإقامة، تارة ضيف ثقيل على البيت وتارة في السجن، والوالدة مستخدمة في إحدى المدارس الإبتدائية، وثمانية من الإخوة يتوزع ثلاثة منهم على الأقارب من باب التخفيف، أما العُبِد وإخوته الأربعة فمع الوالدة في بيت لا يـحمل من صفات البيت إلا الاسم فقط، ولكن مع كل هذه السوداوية تميز العُبِد بموهبة مميزة وقدرة عجيبة على تصليح الموبايل والتعامل مع الإلكترونيات عمومًا، وأصبحت مهنته ومصدر للدخل، وأصبح مدير المدرسة والمدرسين وبعض من الجيران زبائن دائمين له، لكن المنظر الأكثر تأثيرًا هو عندما يأتي العُبِد وفي  يده رُوبية خبز أو رٰوبية روتي وحليب وأحيانًا حلوى، أو يقوم يتوزيع المصروف على إخوته..
 
للحقيقة سكنت قصة العبد مخيلتي لأيام وشغل تفكيري كذلك وخرجت منها بعديد من الأفكار سأستعرض ثلاثة منها هنا:
 
الرضا واليقين 
ما لفتني في قصة العُبِد التي روتها لي والدته أنه ومع كل هذه المنغصات، تعيش الوالدة حالة من الرضا واليقين الكامل برب العالمين، قَلَّ ما نشهده في زمننا هذا مـِن مـَن يعيشون في رغدٍ من العيش، قال رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: "عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ". واليقين متى وصل إلى القلب إمتلأ نورًا وإشراقًا، وانـتـفى عنه كل ريب وشك وسخط وهم وغم، فامتلأ محبة لله، وخوفًا منه ورِضا به، وشكرًا له، والعبد إذا أدرك حقيقة اليقين صار البلاء عنده نعمة والمحنة منحة.

العمر الإنتاجي 
مخطئ من يظن أن عليه أولًا أن يـُكمل تعليمه، أو أن يتخرج من الجامعة حتى يبدأ في العمل وبالتالي الإنتاج، فالعُبد منتج وهو لم يتعد العاشرة. اكتشاف مواهب أبنائنا وتوجيهها التوجيه السليم، وبالتالي توظيفها في الاتجاه الصحيح، دور منوط بنا أولًا، فرسولنا الكريم رعى المواهب الشابة وشجعها ووظـفـها أيضًا، فـبلال الحبشي وظفه مؤذن وهو شاب، لجمال صوته، والقائمة تطول.

التكافل الاجتماعي
للأسف في مجتمعاتنا غلبت الروح الاستهلاكية للفرد، وركنوا إلى الدولة و أصبح العمل التطوعي مقترن بمؤسساتها وبعض المؤسسات الأهلية حصرًا، علمًا أن من أعظم الأعمال الصدقة وهي أساس التكافل الاجتماعي في مجتمعنا الإسلامي فقد قال رسول الله : (إذا أردت تليين قلبك فأطعم المسكين وامسح على رأس اليتيم) وما موقف مدير المدرسة والمدرسين مع العُبِد إلا شكل مبسط من أشكال التكافل الاجتماعي.



20 مارس 2015

No comments:

Post a Comment