Friday, March 13, 2015

العقول المعلبة // أم علي


 
تولَّدت فكرة المقال بعد مواقف كثيرة استوقفتني، وأقوالٍ استفزتني، وآراء ووجهات نظر أبَتْ عنها قناعاتي، وهي بكل تأكيد ليست معيارًا، إلَّا لنفسي..
 
عندما أقول: استوقفني.. استفزني.. أبته قناعاتي، فلأنَّني قد عاهدت ربِّي ونفسي على أن لا أُعَلِّب عقلي، وأن لا أُعير لأحد جمجمتي، إلِّا لقال الله تعالى وقال المعصوم عليه السلام..
 
لا أريد لنفسي أن لا ترى أبعد من ظلِّي..
لا أريد لروحي أن تُغلَّ في فلك ضيق..
لا أريد لإنسانيتي أن أن يكون لسانها أمام قلبها، فتحكم وتتحكم بلون واحد وتدعي بين العالمين لنفسها الربوبية..
لا أريد لوجداني الانكفاء، ولشيطان يغزوني أن يبرز، فأرمي هذا وأستفز ذاك..
 
لا عجب أن تراه هناك، وبضيق أفق وانحسار نظرة، يضيق على نفسه وعلى الآخرين، فقط لأنَّ تفكيره لا يتجاوز فكرةً رماها في عقله حتى نمت وأثمرت يقينات زائفة، فاتخذ مواقف لا تمت للحقيقة بصلة!
 
أنت يا صاحبي تجذب لنفسك ما تقتنع به.
 
(ينظر الكثير من الناس للحياة من منظور الواقع ولا يدعون فرصة للاحتمال)
ألبرت اينشتاين
 
سمعتها تطبب وتواسي إحداهن على مصيبة آلمت بها، وعلى حدث وقع لها فاستحق منها البكاء والحزن والتأثر، تنصحها قائلة: إنَّ ذلك من إرادة الله وحكمته، والمؤمن له الآخرة، والكافر يسعد ويهنئ لأن جنته دنياه!!
 
نعم، كلامٌ صحيح، ولكن!! 
ألا ترون إنَّ كلامًا كهذا معلَّبٌ دون وعي؟
لله حكمة في ابتلاءاته، نعم..
وللمصاب نعمة قد لا ندركها لكنَّها تحمل الخير والسعادة للإنسان في دنياه وآخرته، فالمصيبة ليست هدفًا بذاتها، أو إنَّها مصيبة لمصيبة بل مصيبة لنعمة قد لا نعيها..
 
(الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) فالأمن والهداية حقٌّ للإنسان في دنياه وآخرته، فهل خُلقنا للبكاء والدموع واجترار الأحزان؟
عجبًا كيف يفهمون؟!
 
وقد ترى ذلك جليًّا في بعض المجالس الخطابية ذات الطابع الوعظي (التخويفي)، وكأنَّ الدين ليس إلَّا المصائب والعذاب والنيران.
 
وبداعي تخويف الناس وإفقارهم لطبقة معينة، فإنَّ النصوص تُبتر، وتحوّر، دون رعاية لحرمة ولا لقانون سماوي، فالمهم أنَّ يكون المتحدِّث سيِّد الموقف.
 
بِتُّ أنفر من مجالس كهذه، لطاقة سلبية تتلبسني بسبب أفكارهم المعلبة، ونصائحهم المستهلكه، فيركبون هذا بذاك دون قياس ولا دليل سليم، وبمجرد أن يواجه نقدًا، فهو يستنفر ويشهر الأسلحة، فعرشه مهدَّد!
 
(وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعًا منه إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)
لا أنادي أن نكون متحررين في تفكيرنا، لا ضابط يضبطه، ولا قيود تتحكم في مجرى انسياب الأفكار التي تتدفق في أذهاننا، تمتزج بها أهواء النفس ورغباتها ولذاتها، ولا أن نكون متعسفين منغلقين أكثر قسوة وصلابة لا نقبل التغيير أو حتى مجرد التفكير به.
 
فالخروج من بوتقة هذا التفكير المعلب يمنح لأنفسنا فضاءً أرحب للنظر ببعد مدى، مستخدمين في ذلك بصرنا وبصيرتنا لنكون أكثر استعدادًا لتقبل كل جديد قبل أن نحاربه ونتجنبه.
(إن من لا يغير آراءه مثله مثل الماء الراكد يسمح للزواحف أن تنمو في عقله)
ويليام بلاك
 
هي دعوة لأن نفتح نافذتنا وننظر إلى ما وراء الشمس، وسوف ندرك الكثير من الأمور ما كان لنا أن ندركها أو نكشفها ونحن تحت هيمنة فكرة محددة، وفلك منغلق.
 
(وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون)
 
لنكن كالأطفال، حين يفكرون بدون أي قيود تحصر تفكيرهم، يحلقون بآمالهم وأفكارهم بعيدًا، حتى لنحسب إنهم غير واقعيين أو يجنحون لعالم من اللا معقول ويبتعدون عن المتاح، لنكن كالأطفال منفتحين على كل شيء، ليس لشيء سوى إنهم لم يضعوا لأنفسهم قيودًا تغلهم..
لنفكر بعيدًا..
هل أستطيع أن أخرج من العلبة الضيقة كما خرج فيلكس؟
لا أعلم، ولكنه تخطى المألوف وخرج من تفكير معلب ليسجل نفسه إعجاب الآخرين ببطولته.
 
 
14 مارس 2015

No comments:

Post a Comment