كما يتبع الذباب المواضع الفاسدة // أم حسين

لكل منا نقطة ضعف قد شكلتها يده أو كبُر فوجدها في نفسه كمواطن ضعف، قد يستسلم لها وقد يحاول جاهدًا أن يوظفها للارتقاء بنفسه، لوعيه بأن الحياة ما هي إلا سعي وراء التكامل الإنساني، وما السير إلى الله سوى إصلاح وتغيير ما اختل في النفس.

 

مُخطئ من يعتقد بأن من السهل ترويض النفس وتهذيبها، فلدهائها يشكوها سيد الساجدين لله ويقول:

 

إلهي إليك أشكو نفسًا..

 

سيدي ما بها هذه النفس؟

 

فيصفها لنا وصفًا دقيقًا ورائعًا

 

(بالسوء أمارة، وإلى الخطيئة مبادرة، وبمعاصيك مولعة)

 

وهذه النفس سيدي ما هو عقابها؟

 

فيجيبنا عليه السلام: 

 

(لسخطك متعرضة)

 

حتمًا بكل هذه الصفات إن لم تُلجمها فهي لسخط الله متعرضة لا محالة

 

وماذا بعد سيدي؟

 

(تسلك بي مسالك المهالك * وتجعلني عندك أهون هالك)

 

سيدي وما هي طرقها ومسالكها؟

 

الإمام: كثيرة العلل، طويلة الأمل، إن مسها الشر تجزع، وإن مسها الخير تمنع، ميالة إلى اللعب واللهو، مملوءة بالغفلة والسهو، تسرع بي إلى الحوبة وتسوفني بالتوبة.

فيا لها من نفس أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي

لذلك وصف ترويضها رسول الأمة بـ (الجهاد الأكبر).

دهاليز النفس كثيرة ولأنها لعوبة، متلونة، بالسوء أمارة تخدع البعض وتتزين له وتغره فيحسبها الأفضل ويعيش في منأى عن أخطائه فبدل أن ينشغل بإصلاحها ينشغل بعيوب الآخرين، ويتركها لتحكمه، فتوظف حواسه في أذية الآخرين فتحطه إلى أسفل سافلين.

 

قارئي العزيز من منا معصوم؟!

 

لا أحد، جميعنا نمتلك مواطن ضعف لأننا ببساطة لسنا أنبياء ولا رسل، فلماذا يصر البعض منا على ذكر عيوب الأخرين ويتفنن في تضعيف الآخر من خلالها.

 

يقول الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) في كلام له في النهي عن عيوب الناس:

(فكيف بالعائب الذي عاب أخاه وعيره ببلواه أما ذكر موضع ستر الله عليه من ذنوبه مما هو أعظم من الذنب الذي عابه به وكيف يذمه بذنب قد ركب مثله فإن لم يركب ذلك الذنب بعينه فقد عصى الله فيما سواه مما هو أعظم منه وأيم الله لم يكن عصاه في الكبير وعصاه في الصغير لجرأته على عيب الناس أكبر).

 

ويصف عليه السلام الذي يلحق بعيوب الآخرين فيقول:

(الأشرار يتبعون مساوئ الناس ويتركون محاسنهم كما يتبع الذباب المواضع الفاسدة)

 

فمن أراد معرفة وجه تشبيه الإمام بدقة أعمق فليتتبع حياة الذباب ومضارها..

 

وعنه (عليه السلام): (يا أيها الناس طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس وطوبى لمن لزم بيته وأكل قوته واشتغل بطاعة ربه وبكى على خطيئته وكان من نفسه في شغل والناس منه في راحة واجتناب الفساد في الأرض).

 

إن الله سبحانه وتعالى على الرغم من علمه بخفايا القلوب إلا أنه يستر على عبده لأمل في توبته، من هذا المنطلق علينا أن نكون ستار وحجاب على أخينا المؤمن.. علينا أن نشد بعضنا بعضًا، فنقطة الضعف عند أحدهم قد تكون قوة لديك فتسد نقصه والعكس صحيح.. هكذا نتكامل ونرتقي بأنفسنا ومجتمعاتنا فمتى نعي ذلك..

 

فاشتغل بنفسك دائمًا، الجمها وروضها، وأحطها بأنفس راقية تساعدها على النهوض، ولا تحيطها بأنفس لا ترى أبعد من ظلها.. لا تيأس أبدًا في إصلاحها وسيكون الله في صفك ويعينك. وتيقين بأن مشكلتك ليست في إمكاناتك ومهاراتك، فأنت حتمًا تمتلك جانب جميل أو عدة جوانب، ما عليك سوى أن تبدأ بتغيير تفكيرك..

 

14 مارس 2015