Friday, March 6, 2015

المدرسة المجتمعية.. مشروع في غاية الإمكان // أبومقداد

 
 
مرحلةٌ مهمّةٌ لا بدَّ من المرور بها، وفي البحرين على الأقل هي إلزامية، وهي مرحلة (المدرسة)، التي تبدأ في السن السابعة وتستمر لمدة إثني عشرَ عامًا، في ستِّ مستوياتٍ ابتدائيّةٍ، وثلاث مستوياتٍ إعدادية، وثلاث مستوياتٍ ثانويةٍ، حتى يصل الطفل لشبابه في الثامنة عشر من عمره. تشكل المرحلة المدرسية هذه الحياة الاجتماعية الحقيقية الأولى التي يعيشها الطفل، فمجتمعهُ سابقًا لم يتعدَّ أسرته وعائلته، وفي أكبر الاحتمالات طفلًا أو اثنيْن قد يراهم في الحي في أوقات متقطعة مع مراقبةٍ صارمةٍ من الأهل، إلا أنه في المدرسة سيبدأ في تكوين صداقات خاصة وبشكلٍ أوسع وأكثر استقلالية عن عيون ومراقبة الأهالي، سيبدأ بالتعرف على أشكال جديدةٍ من الأطفال الذين يشابهونه في المرحلة العمرية، يلاحظ ملامح سلوكهم، عاداتهم، مُخرجات ثقافتهم، مصطلحاتهم، سيعجبُ بأحدٍ ويحاول تقليده، أو يتأثر بالآخر ويحاول أن يكون مثله، سيبدأ عمليته الحقيقية في الانخراط مع مجتمعٍ أجنبي عن الذي اعتاد على روتينه.

السنوات الأولى، هي السنوات المهمة والأساسية في تكوين شخصية الإنسان، فجزءٌ كبيرٌ من مستقبلهِ مبنيٌّ على ظروف حياته في هذه الأيام  الأولى، لذلكَ من المهم جدًّا أن يؤسَّسَ للطفل بشكلٍ سليمٍ، وأن ينشأ في بيئةٍ صحيّةٍ، كي يتجنب أكبر قدر ممكن من العُقد النفسية والسلوكية وما شابه في كِبره. وبما إن المرحلة المدرسية تقع بينَ العام السابع والثامن عشر، ونظرًا لحساسية هذه المرحلة لما تم ذكره، فإن للمدرسةِ دورٌ كبيرٌ في نشأة هذا الطفل وتحديد شخصيته التي سيشيخ عليها، لذلك فإنَّ متابعة ظروف وبيئة المدرسة التي (سيتربى) عليها هذا الطفل أمرٌ مهمٌّ جدًا لا ينبغي إغفاله، ومحاولة توفير البيئة المدرسية الملائمة له أمرٌ ضروريٌّ جدًّا، ومتابعة أوضاع الطفل داخل المدرسة بقدر الإمكان لا بد أن يكون من أولويات الآباء.
 
يكون الآباءُ عادةً في هذه المرحلة بينَ خيارين، الأول أن يُدخلوا أبناءهم في المدارس الحكومية، وهذا هو الأمر المعتاد، والثاني أن يدخلوهم في المدارس الخاصة، ولكل خيارٍ من هذين الخيارين سلبياته وإيجابياته، سأحاول المرور حولهما ومن ثم أستعرض الاقتراح الذي أوجهُ له من خلال هذا المقال.
 
المدارس الحكومية:-
في المدارس الحكومية عددٌ لا بأسَ بهِ من المشاكل التي لا يٌستهانُ بها، فالأعداد الكبيرة من الطلبة التي تتحملها المدرسة الواحدة، قد يضعف من قدرة الإدارات أن تفرض سيطرتها لضمان انضباط الطلاب، فالمشاكل السلوكية تنتشر بشكلٍ أسهل في ظل ضعف السيطرة هذه، وأيضًا يساهم في ضعف قدرة الطالب على التركيز في فصلٍ يكون فيه عدد الطلاب يقارب الثلاثين طالبًا، مع جوِّ مكّثفٍ من المواد والمعلومات المركزة التي تُحشى في ذهن الطالب تِباعًا، بالإضافةٍ لكون المؤسسات الوزارية الرسمية وكما هو متعارفٌ عليه في الكثير من الأحيان لا يتعامل موظفوها بمسؤولية كبيرةٍ على عكس الشركات الخاصة التجارية والتي تقدم الخدمات بمقابلٍ مادي، والمدرسة الحكومية لا تُستثنى من اللا مسؤولية في الكثير من الأحيان، فتجد الكثير من المعلمين، يدخل المدرسة ليمضي وقت دوامهِ المخصص بأي طريقةٍ ممكنة ليستلم في نهاية الشهر راتبه، لا يهمه إن ربّى جيلًا من خلال وظيفته، أم دمره، وطبعًا لا نبخس حق المعلمين الذين يبذلون قصارى جهدهم ليساهموا في صناعة إنسانٍ سليم من خلال هذا الطالب، وهذه المهنة.

وهناك العديد من المشاكل التي لا يسع المجال لذكرها، وبالطبع تحتاج لعلاج ومتابعةٍ من المسؤولين لإصلاحها. بينما يقف الكثير من الأهالي على أن المدارس الحكومية هي التي تحتوي على مناهجَ مكثفةٍ ومضمونة، وربما كون الدراسة مجانية فهذا عاملٌ مهم يستحق النظر فيه. وإحدى المشاكل الكبيرة التي تواجه المدارس الحكومية هي اختلاط الطلاب بآخرين من ثقافات مختلفة تمامًا ومتضادة معهم، والأكثر من ذلك هو اختلاطهم مع طلابٍ مجنسينَ من بلدانٍ أخرى، وكلنا يعرف نوع الطلبة المجنسين في البلاد، فهم بالطبع ليسوا من الفئة المناسبة لأن نختلط بهم أو نأمن على أبنائنا أن يختلطوا بهم.
 
المدارس الخاصة:-
النظرةُ السائدةُ عن المدارس الخاصة وطلابها بشكلٍ عام غير إيجابية، فالبعض يقول بأنها تساهم بشكلٍ كبير ورئيسي في إتقان طلابها للغة الإنجليزية على حساب إتقان اللغة العربية كتابةً وقراءةً وربما مخاطبة، كما أن جوَّها المختلط قد يؤثرُ على هذا الطفل أخلاقيًّا في حاضره ومستقبله، كما أن ظروفَ الانفتاح فيها قد تؤثر على التزام الطفل دينيًّا، وتُصعِب على الأبوين حينها ضبط أبنائهم والتحكم بهم، بينما يقول أحد الأصدقاء الذين أدخلوا أبناءهم لهذه المدارس، بأن اختيار المدرسة ونوعها وظروفها وبيئتها ومنهجيتها مهمٌ جدًا وله الدور الرئيسي في تقليص عدد المشاكل التي قد تنتج من هذا النوع من المدارس، فهي على انواع ومنهجيات وأدبيات متعددة، ولولي الأمر إمكانية اختيار ما يناسب وضع ابنه، ليحدد كيف ستنتهي به التجربة. إلا أني ورغم دفاعه عن هذا النوع من المدارس، قد أتجاوز العديد من المشاكل التي تحتويها هذه المدارس إلا أني أقف مجبرًا على قضية الإختلاط في سنوات عمره الأولى تحديدًا لخطورتها في تربية الطفل، وتكبر الإشكالية بالنسبة لي حين تستمر لفترة انتقاله لمرحلة المراهقة، وللأمانة لم أجد ما يُقنعُ على تجاوز هذه الإشكالية.
 
النتيجة التي توصلت لها من خلال تجربة وسؤالٍ طرحته على مجموعات مختلفة من الآباء حول تفضيلهم للمدارس الخاصة او الحكومية مع ذكر أسبابهم، أن الخيارين المطروحين يحملان وجهًا إيجابيًا، وآخرًا سلبيًا، مع الاختلافِ في نوع الإيجابية والسلبية، ومن الصعب جدًا أن يختار ولي الأمر لابنه الخيار المضمون الذي يقيه من مشاكل المدارس وتأثيراتها السلبية على شخصية ابنه، فضلًا عن أن المدارس باختلافها، واختلاف علومها إلا أنها تفتقر للتعليم الديني، بل الأسوأ من ذلك فإن حصص الدين التي تشتملها المناهج الدراسية تكون لطائفةٍ لا ننتمي إليها، ويُجبَرُ الأبناء على دراستها وحفظها، وكذلك بعض حصص التأريخ المزورة، لذلك أرى أنه لا بد أن يهتم الآباء بإنشاءِ بيئةٍ أخرى توازي البيئة المدرسية، عبر الاهتمام بإنشاء مشاريع التعليم الديني والثقافي ولو على مستوى القرى في المساجد والحسينيات، وتهدف هذه المشاريع لتعويض الطلبة الأطفال عن النقص الذي لا توفره لهم مدارسهم، وتصحيح المعلومات المغلوطة التي تُعطَى لهم فيها، وبنائهم ثقافيًا وسلوكيًا بالطريقة التي نعتقد أن الطفل يحتاجها، ومراقبة تطور أعمار هؤلاء الأطفال، كما يمكننا عبر دروسٍ خاصة أن نُحسِّن من مستوى درجات أبنائنا أكثر مما هو عليه، وغيرها من الأفكار الغير محصورة، التي يمكننا أن ننجزها من خلال هذه البيئة الموازية المقترحة التي يحتاج تنفيذها لدراسة بالطبع.
 
الفكرة التي أطرحها الآن بالطبع قد تحتاج لجهد وربما بعض التكلفة، ولكنها من المؤكد أن منفعتها ستعود علينا، وعلى أبنائنا، وعلى مجتمعنا، فهل سنظل نسلم الجيل القادم، للمصير ذاته الذي أغلبنا يعترض عليه؟ هل نستسلم أيضًا لما يُفرض علينا من واقعٍ سيءٍ نحن نملك الطاقات لصنعِ واقعنا الذي نحلم به؟!

الحياة المثالية، والمجتمع السليم، ليس مستحيلًا.. بل هو في غاية الإمكان، ولا يحتاج سوى أن نرغب في صنعه. . . وأن نبدأ بالفعل.. فهل نبدأ؟!

7 مارس 2015

1 comment:

  1. اتفق معك بشان اكبر سلبيات المدارس الخاصة وهي الاختطلات ونتائجة تكون كارثية في بعض الاحيان في تكوين الشخصية
    اما اكبر سلبيات المدارس الحكومية يمكن تلافيها باختيار مدارس قروية حيث تنعدم نسبة المجنسين فيها

    اما بالنسبة للمداس المجتمعية فهي مطبقة على سبيل المثال في البلاد القديم بمأتم انصار الحسين (ع) للاطفال منذ سن البلوغ حيث تختضنهم في اول المشوار الذي يحدد توجه الشاب فيما بعد وتحتوي على دروس دينية واعتقد انها تشمل بعض المناهج التي تدرس في المدارس وتستقطب الاطفال للمشاركة ببعض الرحلات الترفيهية والتثقيفية

    ReplyDelete