Friday, March 27, 2015

العرض السايب.. يُعَلِّم السرقة // إيمان الحبيشي


 
مثل متداول يردده المصريون وربما غيرهم؛ "المال السايب يُعَلِّم السرقة" ويقال هذا المثل حين يُراد توجيه الإنسان، ليحفظ أمواله مثلًا، أو لتحذيره من مغبة (التفريط) والإهمال، ربما بشكل عام وفي كل الأمور.

"السايب" كلمة دارجة تعني المُهمَل، فعندما تُهمِل حفظ ورعاية أموالك، فقد يسرقها المتربصون. بل أكثر من ذلك، فقد تتفتح الشهية نتيجة عملية الإهمال تلك، فيسرقها حتى من لا باع لهم في السرقة!

الكثير من قصص الخيانات الزوجية تنتشر بيننا، أكثر من انتشار النار في الهشيم، سَرَّعت عملية انتشارها، حالة الانفتاح التي نعيشها في العالم بأسره، وفي مجتمعنا على وجه الخصوص، عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة. وأجدني أقف عند الكثير من قصص الخيانات الزوجية "من طرف المرأة بتحديد أدق" لأقول؛ كما أنّ المال السايب يُعَلِّم السرقة، فالعرض السايب حتمًا.. يُعَلِّم السرقة أيضًا! 

لست بصدد تحليل نفسية المرأة، وسرعة تأثرها، وعاطفتها الحنونة الناعمة الجياشة، ولا أظن أن هناك من ينكر أُذنها الموسيقية، التي تُطربها الكلمات العذبة، وروحها العَطِشة التي تندفع باتجاه نفوس، تُجيد إحاطتها واحتوائها والاهتمام بها. لكني بصدد لفت النظر لتلك المميزات، التي جُبلت عليها المرأة، لتكون جناح الطيبة والحنان في الأسرة، ليس على مستوى الأمومة فحسب، بل حتى على مستوى البنوة والأخوة، وفي مختلف مواقعها في الحياة، لتكون بجدارة الطرف الأجمل والأحّن والأبرّ في المجتمع.

هناك نوعان من حالات التسيب التي تجعل المرأة - كزوجة - لقمة سائغة للخيانات الزوجية، دون أن أُغفل دورها المتمثل بمدى قوتها أو ضعفها أمام تحديات الحياة والحرمان. فإنني أقول أن للزوج دور كبير بل أساس في تأهيل زوجته، لتكون قوية محصنة قادرة على دفع تحديات العالم الخارجي، البعيد عن أسرتها، القريب جدًا من تحديد مدى استقرار ونجاح العلاقات داخل تلك الأسرة.

حالة التسيب الأولى، يتحمل وزرها زوج جاف مهمل قاس، أما أنه اختار الصمت حوارًا له مع زوجته، أو اختار الغلظة سبيلًا للحوار معها. زوج تعيش معه المرأة حياتها محرومة من جبر خاطرها بكلمة طيبة، قال عنها رسول الرحمة صلى الله عليه وآله بأنها "صدقة" حتى وكأنه يرفض أن يتصدق بطيب القول مع أقرب الناس إليه، وقد قال رب العزة (والأقربون أولى بالمعروف).

زوج يجيد الاستنقاص من قدر زوجته، إما سرًا أو أدهى من ذلك، حين يستنقص من قدرها علانية، أمام أبنائها أو في عموم محيط أسرتها، لتطرب مع أول مبادرة احترام من رجل خارج إطار علاقتها الزوجية!! أو لتتهاوى دفاعاتها مع تكرار مبادرات الاحترام والتقدير والحب وبإلحاح من رجل، قَبِلَ أن يكون الشيطان له وليًا!

* هل يعد إهمال الزوج مبررًا لتخون زوجته عقدًا شرعيًا وعلاقة مقدسة كالزواج؟
قطعًا لا مبرر لحرام الله، لكن الله أقرّ مؤسسة الزواج لتكون سكنًا للزوجين عند بعضهما، ومتى ما تخلَّت تلك المؤسسة عن تحقيق أهدافها، فلا بد أنّ انحرافًا أو خللًا قد يطرأ، يهدد وجودها وأهم أساساتها وهي أساس الإخلاص، لتتهدم أسس تتبعها أسس، وأسفًا لتلك المرأة الطاهرة التي سقطت في وحل الخيانة بسبب حرمان كان ليقيها منه زوج يشعر بمسؤوليته تجاه الله، وتجاه أسرته ومجتمعه، ليكون خير الناس كلهم، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وآله أن (خيركم خيركم لأهله.. وأنا خيركم لأهلي

ألا يتحمل ذلك الزوج المهمل، وزر زوجته أيضًا كما تتحمل هي وشريكها وزرها؟!

حالة التسيب الثانية، قد تختلف تمامًا عن الحالة الأولى، حتى تكاد تكون نقيضًا لها. فكما أن إهمال الجانب العاطفي والاجتماعي في العلاقة الزوجية، قد يكون سببًا من أسباب الكثير من حالات الخيانات الزوجية، فإن إهمال الجانب التوجيهي والرقابي - وإن توفر الجانب العاطفي والاجتماعي - ليس أقل وطأة منه.

إن زوجًا محبًا واثقًا يحترم زوجته، ويثق في إيمانها وشخصها، مثال حقيقي للزوج الذي تطمح اليه الكثير من النساء، وإنَّ وجود درجة من التوجيه والتقييم والتقويم بين الزوجين، لا تعد أبدًا ناقضًا لحالة الاحترام والثقة تلك، فزوج يقيِّم حجاب زوجته الشرعي، ويدعوها لمراعاته ليس على مستوى القماش الذي تستر به بدنها، بل حتى عبر مراعاة وتنمية وتعزيز جوانب العفة في شخصها، هو زوج صالح حفظ عرضه عن السرقة!

الكثير من الأزواج رجالًا ونساءً يعتقدون أن وضع أسس وحدود للكثير من السلوكيات، ووضع أسس وحدود للكثير من التصرفات، بين الزوجين في علاقتهما معًا، أو علاقتهما بأبنائهما، أو علاقتهما بالمجتمع، انما هو سبيل من سبل الاستنقاص والشك وقلة الاحترام، بينما لا تنتظم حياة عبثية عشوائية، ولا يستغني عن التقييم والتقويم والنصح إنسان إلا معصوم! وأقول آسفة أنّ تَرك الكثير من الرجال للحبل على غاربه في يد زوجاتهم، حمل الكثير منهن، إما جهلًا أو غرورًا أو ضعفًا، لسلسلة من الخيانات الزوجية التي كان من الممكن تحصين الأسرة منها عبر عمليتي (الاكتفاء) و (التوجيه).

فأن يقوم الرجل بكفاية سمع ونظر وقلب وجسد زوجته، عبر تلبية حاجاتها بكل حب وصدق ومسؤولية، ثم قيامه بتوجيه وتقييم وتقويم سلوكياتها، وحفظ أسس وحدود الأسرة بينهما، عاملان مهمان يبعدان كل صاحب قلب مريض ونفس أمارة بالسوء لتلقف عند باب تلك الأسرة حجرًا. إنهما حجران أساسيان وقائيان يحميان الأسرة من أن تتمكن منها أمواج الحاجة العاتية التي قد تلقي بالإنسان لبئر عار سحيق. والوقاية يا سادتي خير من العلاج.

همسة:
إن ألأم الرجال، رجل فتح دار رجل آخر، ليضع يده النتنة على عرضه، فأي نية سليمة يحملها رجل مؤمن، حين يلاحق ببصره ولسانه ويداه امرأة متزوجة وكأن نساء الكون بحلال الله لا يسعونه!


28 مارس 2015

No comments:

Post a Comment