Friday, March 6, 2015

الثقة.. ليست تمرًا يؤكل // أم علي

 

قبل يومين جاءني قريب وقال:
اليوم تعلمّتُ شيئًا مهمًّا، كنتِ دائمًا تنصحيني به، بأن أكون راضيًّا عن أدائي، وألاّ أهتم بإرضاء غيري، وأيقنت بصحة مقولة (رضا الناس غاية لا تدرك)، فكم من مرّة سمعتها محاولًا إيحاء ذلك إلى نفسي بأنها مقولة صحيحة ولا غبار عليها، ولكن في الحقيقة كنت أخادع نفسي ليس إلا، لقد كنت أتوق بنهم إلى رؤية المعجبين، مع علمي الشديد بخطورة التعلّق بهذا الحال، إلّا أنّها رغبة النفس اللعوبة والتي لم تروّض بعد.
 
ولكنني لم أسلّم لهذا، ومع التدريب الشديد والقاسي أحيانًا، وأحيانًا أخرى يغلبني النعاس لأجد بأنني ما زلتُ مستيقظًا على وقع فتنة العُجْب - نعوذ بالله منها -.
 
غادر قريبي، وجلست أفكر..
كيف يستطيع الإنسان أن يصل إلى نتيجة مرضية، تامّة الرضا مع نفسه؟
 
إنّ الفارق بين الثقة والخُيَلاء فارق معقد جدًا، ويصعب على الإنسان التفريق بينهما، فهما كالتوأم تمامًا، متشابهان في الشكل، مختلفان في المضمون، فحتى المُطَّلِع والواعي قد يقع في هذا الاشتباه، بأنّه يمضي بكل ثقة وهو في الواقع ثمل لحد النخاع بالخُيَلاء والغرور..
 
المغرور الذي يعيش الخُيلاء هو في الواقع يعاني ضعفًا في ثقته بنفسه، ولكنه يوهم الآخرين بخلاف ذلك..
 
يريد للأضواء أن تسلط عليه.. هو المتحدث لا غيره.. هو صاحب النظرة الثاقبة.. هو الفاهم.. هو العالم.. هو الحكيم.. هو الذي يتجاوز عيوب الآخرين..
هو.. هو.. هو، ويظهر للناس انكاره لذاته، ولكن بينه وبين نفسه.. هو.. هو.. هو..
يتجاهل الآخرين إلا من كان على مزاجه، ويرضخ صاغرًا للأقوى، ولا يتفاعل مع البسطاء، لأن ذلك يتعارض مع شموخه ودهائه..
 
يسخر من الآخرين ويسفه أحلامهم ويظهرهم سلبيين فاقدي القدرة على التفكير..
يظهر الآخرين ضعافًا حتى يبرز قوته..
 
أما واثق الخطوة فيمشي ملكًا..
 
لا يهمه أن يكون محورًا أو لا، فالمهم عنده أن يؤدي ما يملي عليه ضميره ويرضي حسه المسؤول..
 
حينما تكون مسيرته تواضعًا وخلقًا، نورًا منيرًا..
 
تحدث عنه كثيرًا أمين الأمّة محمد عليه وعلى أهل بيته أفضل الصلاة والتسليم، وذلك عبر أحاديثه الشريفة من وحي يوحى إليه، أحاديث ترشدك إلى أن المجد ليس تمرًا أنتَ آكله إنما من تجرّع الصبر مرارًا وتكرارًا، تنبع تلك الأخلاق الكريمة من منابع الآلام والمعاناة الطويلة، تصقل فؤاد المرء صقلًا، حتى يفهم بأن المجد هو في حسن الخلق، والمعاملة، وشكر الناس، وإيتاء كل ذي حق حقّه، والحفاظ على الأمانة، وهلمّ جرى من أخلاق وسمو فكر وتألق في اللباقة.
 
هنا أجد النفس قد تتلمذت جيّدًا، قد تسربلت عباءة التقوى، قد فهمت بأن لا فائدة ترجى من حديث الناس، وأفعالهم، ونجاحاتهم، وإعراضهم، قد فهمت بأن الغاية الأسمى لا تكون في الشهرة، والبروز الإعلامي، والثقافي، وحتى الديني، بل إن الغاية هي الجنة التي ينزع فيها الغل من الصدور.
 
هنا أجد بأنّ الملكة التي استودعك الله، هي من أجل رسالة ما توصلها، لا من أجل أن يمجدوك الناس ويعلون لك شأنًا، هي موهبة فريدة أُهديت إيّاها كي تساعد من كان محتاجًا، كي تكون لبنة تحفظ للبناء صموده، وهذا البناء هو الأمة التي تعيش فيها.
 
مشكلة المغرور أنه لا يرى نفسه مغرورًا، ولا يقبل بمرآة تظهره على حقيقته، وهنا المصيبة الأعظم..
 
أما الواثق من نفسه فهو متهم لها بالتقصير دائمًا، ولذلك لا يتوقف إبداعه..
 
المغرور يريد تبرأة نفسه أمام الناس حتى مع عدم وجود تهمة..
 
وأما الواثق، فابتسامته علاج للتهم..
 
ختامًا: هي أحاديث نفس تحاول أن تبرأ من هذا السقم، فدوّنت كل أفكار لديها ، حتى تساعدها على الاستمرارية، لا أن تكون ممن يؤثرون التواكل على التوكل، قد نجد ما ذكرت في أمّهات الكتب ، لكن هل أحسست به داخليًّا كي يدفعك لقبوله على أنّه مغيّر لا أن يكون لك ذلك المقيّد.
 
 
7 مارس 2015

No comments:

Post a Comment