Saturday, March 7, 2015

سماعة الطبيب ودقات (القمامة) // أم حسين

 
 
المشهد الأول:
 
بينما أنا وعائلتي نتناول العشاء، كان زوجي ينتقل بشاشة التلفاز من قناة لأخرى باحثًا عن ما يمكن الاتفاق عليه لمشاهدته، وكالعادة تتعالى عبارات القبول والرفض، فالاتفاق تحت سقف رأي واحد من شبه المستحيلات في منزلنا، فجأة صمت الجميع لصوت طفلة اخترق مسامعنا، تلتها كلمات لبعض الأطفال..
 
اسمي سجَّاد: أتمنى أصير دكتور
وأنا كرَّار: ضابط شرطة
علي: دكتور
أسد: معلِّم
طلال: شرطي
 
الكاميرا أمامهم، يبتسمون لنا وملئ أنفسهم أملٌ بمستقبل زاهر، وخلفهم جبال  من أكوامٍ لمتاعب تحب أشعة الشمس..
إنَّه واقع الحياة..
مُزجت ملامحهم بتعب وإنهاك، وتلونت طلَّاتهم بلون الشمس الحارقة..
 
كانوا لتوٍ قد انتهوا من تقليب حصيَّات تلك الجبال.. ربما يجدون شيئًا..
حتى لو كانت علبة معدنية يجمعونها مع أخرى لبيعها والاستفادة  من أموالها!

 
 
 
نظرت إلى أبنائي وقد توسعت أعينهم وخرست ألسنتهم، فالمشهد غريب عليهم والقدرة على استيعابه خارجة عن قدرتهم، تنهيدات حسرة عميقة لزوجي كنت استشعرها معه لتلك البراءة المهدورة وكان الصمت سيد الموقف إلا من تساؤلات تقفز للأجواء بين حين وآخر..
 
إلى أين وصل حال الإنسان!!؟
ما ذنب الأطفال ليكونوا ضحايا الحروب!!؟
 
اليتم، وطأة الفقر والظلم، الشقاء والقهر والانكسار، كل تلك المفردات القاسية لم تستطع قتل براءة الطفولة.. فتعالت ضحكاتهم بكل عفوية وسط سؤال المذيع لأحدهم:
 
ما أسمك؟
(عبسي)
 
ضحكوا عليه رفاق دربه فضحك معهم قائلًا:
(نسيت عباس عباس)..
 
ماذا تتمني أن تكون يا عباس عندما تكبر!!؟
عباس: سائق شاحنة..
 
انتهى المشهد مرسلًا أمنيات أطفال العراق للعالم أجمع تسألهم عن حلول حقيقية صادقة تؤسس لأرضية خصبة تتحقق عليها امنياتهم.
 
 
المشهد الثاني:
ابنتي: (ماما هذلين من وينه!؟)..
من العراق ماما..
ابنتي: عدنا جدي في البحرين..
للأسف يا ماما إي.
بققت عيونها وقالت:
في ناس ما عندهم ياكلون!!؟
ويلبسون ثياب من الخمام!!؟
ويلايمون قواطي البيبسي!!؟
بنبرة حادة لضيق تركه سؤالها في نفسي (أي يا ماما قلت لش فيه)..
ابنتي: انزين ليش ما نساعدهم!؟
 
انتهى المشهد بصمت.
 
 
المشهد الثالث:
9 نوفمبر 2013 انطلقت مبادرة إنسانية قد تكون الأولى من نوعها على مستوى البحرين، والجميل انها قامت على سواعد بحرينية لشباب واعٍ من منطقة عالي.
 
شعارهم (أذا أكلوا لم يسرفوا)
 
هدفهم: المحافظة على النعم وتوزيعها على المحتاجين من قرى ومدن البحرين قبل أن ترمى في الزبالة، ومحاربة العرف السائد (يزيد ولا يقصر).
 
ما عليك سوى الاتصال لإخبارهم بطعام الزائد وهم يتكفلون بباقي العمل .
 
تحية إكبار وإجلال لتلك العقول الواعية وثبت الله تلك الخطوات الساعية للخير والسواعد العاملة لعلمها بأهمية العمل التطوعي للمجتمع.



 
الخاتمة:
لنسأل أنفسنا ..
 
ترى لو تكرر مشروع تدبير!!؟
 
لو تكرر حاملًا عناوين مختلفة (الثياب المستخدمة) ( الألعاب المستخدمة) (الأثاث المستخدم)،  لتجاوزنا الشعور بقلة الحيلة والهرب من سؤال (لماذا لا نساعدهم!!؟)
بتلك النوعية من المشاريع التطوعية نرتقي..
 
كفانا استهتارًا بالنعم الكثيرة فهناك من هو في أمس الحاجة إليها، لنعمل على تأسيس مجاميع شبابية شعارها (معًا ضد رمي الأشياء المستخدمة فهناك من يحتاجها!!؟)، مشاريع بسيطة مردودها المعنوي والمادي كبير لا يستهان به، لا نحتاج سوى لقلوب حية مؤمنة إيمان حقيقي بالعمل التطوعي وآثاره الإيجابية العميقة في النفس الإنسانية والمجتمع، والتوكل على الله جل وعلا.
 
قد نستطيع كأفراد أن نساعد ونساهم بشكل منفرد، ولكن بعض المشكلات المجتمعية لا نستطيع مواجهتها كأفراد، تحتاج لتكاتف الجهود فلنؤسس لمجموعات عاملة في المجال التطوعي تمتلك الحس الواعي بأهمية ذلك في بنيان المجتمع وفي سمو ورقي النفس.
 
 
7 مارس 2015

No comments:

Post a Comment