Friday, December 19, 2014

المؤسسات الإسلامية والمسؤولية الثقافية - 1 // أبو مقداد

 

( الفكرة الثقافية للمسجد )
 
 
من أول المشاريع التي حرَص عليها نبي الأمّة محمد صلى الله عليه وعلى آله هو تشييد المسجد، وبما أنه لم يكنْ ينطقُ عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى، فإنّ اختيارَ المسجدِ لم يكن عبثيًا أو عشوائيًّا، إنما أراد أن يؤسسَ المركزَ الذي تنطلقُ منهُ دعوتهُ التبليغية للإسلام.
 
كان المسجدُ منذ الصدرِ الأول للإسلام مؤسسةً ثقافيةً مضافًا إلى الأبعاد الدينية لهذه المؤسسة، فقد كانت الخطب والدروس والمحاضرات تلقى على الناس في المساجد، والناس يرتادونها بغرض أن يرتووا من مناهل الثقافة الإسلامية.
 
كما أن أميرَ المؤمنين عليه السلام، أكمل ذات النهج في المسيرة، فحوّل المسجد لمؤسسة إسلامية متكاملة في الحكم والقضاء والجهاد والسياسة والثقافة والعلم والاجتماع وغيرها.
 
إلا أنه و بعد استشهاد رسول الأمة محمد (ص) بفترة، كان أهل البيت وأتباعهم يواجهونَ مشكلة حقيقية في الرقعة الإسلامية بشكل عام، وهي العداء لهم ومطاردتهم ومحاربة ثقافتهم وأفكارهم وعقائدهم من قِبل الطغاة والظالمين، كبني أمية وبني العباس وغيرهم. لذلك كانت ممارسة دورهم الحقيقي في المسجد بالنسبة لهم أمرًا في غاية الصعوبة، ولم يتمكنوا من الاستفادة من الدور الثقافي له، حيث أن المسجد مؤسسة تخضع لإدارة الحاكم ونظامه الظالم آنذاك، الأمر الذي اضطرّهم لاختيارِ أماكنَ أخرى أكثر خصوصية، كالمجالس التي يجتمعون فيها بعيدًا عن عيون الطغاة والأنظمة الحاكمة وأعوانهم، فيتعلمون فيها ويتدارسون ويتباحثون في مختلف شؤون الدين والدنيا. وهذا لا يعني أبدًا أن يتخلون عن المسجد والارتباط به وإقامة الشعائر الدينية فيه حتى في ظروفهم القاسية، فالمسجد من الجهة الأخرى مكانٌ للعبادة والدعاء، وحلقة وصل بينهم وبين مختلف أطياف المجتمع والأمة، إضافة للحفاظ على المسجد نقطة انطلاق متى ما سمحت الفرصة بذلك، كما كان مسجد الكوفة مثلًا. فكان المسجد خيارهم الأول ما سمحت الفرصة، والمجالس الخيار البديل في حال تعسّر الخيار الأول.
 
وهذه المجالس التي تطورت اليوم، فأصبحت ما تسمى اليوم بالحسينيات أو المآتم، حيث كانت الفكرة هي أن تكون هذه المجالس مراكزًا يتحدثون فيها بحرية وأمان، عن سائر أمور الدين، وخصوصًا عن قضية الحسين ومظلوميته، ويمارسون من خلالها أنشطتهم الثقافية والفكرية، حتى تطورت الفكرة فتحولت هذه المجالس لحسينيات يتخذونها مراكز ثقافية واجتماعية.
وكانت مساحة أكثر أريحية لأنشطتهم حيث يتجنبون المحظورات الشرعية الخاصة بالمسجد كالضحك والنجاسات وما شابه.
وبذلك تحولت الحسينية إلى مؤسسة ثقافية أخرى اعتمد عليها أتباعُ أهل البيت لنشر الثقافة الإسلامية، وأصبحت منطلقًا لمشروع المؤسسة الثقافية الواسعة التي اختصّ بها أهل البيت وهي الشعائر الحسينية. والمؤسسة الحسينية هي امتدادٌ في الحقيقة لمؤسسة المسجد الإسلامية.
 
اليوم في مناطقنا وبشكل عام نحن نملك مساحةً أمنية، وحرية في ممارسة اعتقاداتنا أكبر من تلك المساحة التي كانت في ذلك العصر، فالمواكب تُسير في أغلب مناطق البحرين مثلًا بشكل روتيني، رغم وجود بعض المضايقات أحيانًا لنزع يافطات او سوادٍ معلق. إلا أن تحركنا بين المسجد والمأتم يحظى بشيء من الحرية والاستقلالية إلى حدٍّ ما. ومن هذا المنطلق لا بدّ لمآتمنا والمساجد أن تكون فاعلة ومراكز عمل ثقافي لنا، لا أن يقتصر المسجد على الصلاة، والمأتم على إحياء وفيات ومواليد أهل البيت عليهم السلام، فلو حصرنا مثلًا مناسبات أهل البيت بأكملها لا أظن أنها تنجاوز الـ 90 يومًا.. أي ثلاثة أشهر، وبقيت 9 أشهر يمكننا من خلالها استثمار وجود هذه المؤسسات بيننا والانطلاق من خلالها.
 
واختزال هذه المؤسسات في وظائفها الأولية كالصلاة والمجالس الحسينية والمواكب فقط، سيتسبب في وجود فراغ ثقافي كبير جدًا، قد يُفرغ هذه المؤسسات من قيمتها الفعلية، ويعد هذا تعطيل لدورها المنوط بها. والمحزن في الأمر أننا قد نجد في القرية الواحدة - رغم صغر مساحتها - أكثر من مسجدين وأكثر من مأتمين، ولكن هذه المآتم مختصرة نفسها جدًّا في إحياء الوفيات والمواليد مع الخطيب الفلاني أو الرادود الفلاني، بينما يُغضُّ النظر عن أي مشروع آخر!
 
هذه المآتم والمساجد، يجب أن تفتح أبوابها طوال العام، وتتحرر من العباءة التقليدية المتعارف عليها.. لتكن نقطة انطلاق للمذهب، ومركز قوة للطائفة، نحتمي فكريًّا وعقائديًّا وثقافيًّا بها، كما نتزود روحيًّا وعاطفيًّا منها.
 
فما هي المشاريع الممكنة لأن تقام في هذه المؤسسات؟
وكيف تنشأ؟
وإلامَ تسعى؟
ولأين تصل؟
وما مسببات فشلها ونجاحها؟
 
هذا ما نناقشه في مقال الأسبوع القادم بإذن الله.. تابعونا.
 
 
20 ديسمبر 2014

No comments:

Post a Comment