Friday, December 19, 2014

الحسين سر الوجود // أم حسين

 
 
 يحتوي هذا الكون على أسرار كثيرة لا يستطيع الإنسان تفسيرها لعلمه المحدود، فتبقى مبهمة لا يعرف كنهها وأسبابها إلا الرب العظيم.
 
وزيارة الأربعين إحدى هذه الأسرار..
 
لطالما تساءلت: تُرى ما السر في إصرار الملايين على زيارة الأربعين!!؟
ما سر الارتباط الروحي بالإمام الحسين!!؟
 
كنت قلقة لسفري، وحيدة بدون أحد أقاربي أو أصدقائي ولكن ما إن وصلتُ حتى احتوتني قلوبٌ كثيرة لإخوة وأخوات فلم استشعر الوحدة.. أرواح سأفتخر بمعرفتها ما حييت.
 
سر آخر هو الألفة العميقة التي شعرتها معهم بمجرد أن التقيتهم!!
 
كثيرة هي الأسرار وماذا عساني أن أنقل لكم من رحلتي المميزة هذا العام إلى كربلاء.. مواقف عظيمة في مضمونها حفرت في ذاكرتي ولامست قلبي فصقلت إنسانيتي بشكل أعمق.
 
كانت أمنية..
 
مشاركتي في موكب الملايين الزاحفة سيرًا على الأقدام إلى كربلاء الحسين.. حلمٌ لطالما راودني.. وتحقق مع مجموعة أعتبر تعرفي بها من التوفيقات الإلهية.
 
رحلة المشاية..
 
قطعنا في حدود الـ 50 كيلو متر خلال 12 ساعة، تخللتها مواقف إنسانية شرحت صدري وجعلتني أقف مبهورة لطهارة الأرواح..
 
الوقفة الأولى:
اعتلى صوت الأذان، قررنا كمجموعة مكونة من 12 زائر التوقف للصلاة في أحد الاستراحات المنتشرة على طول الخط، فاستضافتنا إحدى العوائل العراقية في منزلها.. وبينما نحن نصلي كانت ربة المنزل تعد لنا طعام العشاء وما إن انتهينا من الصلاة حتى هممنا بالرحيل، فلاحقتنا ربة المنزل بالزاد تترجانا بصدق للمكوث وقتًا أطول.

وقفت حائرة أتساءل ترى ما السر وراء هذا الإصرار والكرم الكبير!!؟

الوقفة الثانية:
كنا نسير بسرعة كبيرة لنطوي المسافة في أسرع وقت ممكن، فقد كنا نسابق الريح للوصول باكرًا.. فتأخرت إحدى الأخوات لألمٍ ألمّ بأصابع رجلها.. توقف قائد المجموعة ولأنه طبيب حاول مساعدتها والتخفيف من ألمها بإلباسها جوارب خاصة، ولكنها أصرت على أن نتقدم بدونها لكسب الوقت على أن تلحق بنا بعد أن ترتاح، وكان لها ما أرادت، بعدها كنت أمشي بجانب الطبيب فسمعته يخاطب الإمام الحسين ويقول:

(سيدي يا أبا عبدالله أرجو المعذرة والسماح منك لأنني تركت أحد زوارك خلفي ولكن يشهد الله بأنني تركتها لأنها أصرت على ذلك، ولأنني أعلم بأن سيرها معنا وبهذه السرعة سيضر برجلها)

غصصت بكلماتي حينها لعمق كلماته وتساءلت ترى ما السر خلف هذا التواضع والحس العميق بالمسئولية اتجاه الآخر لمعرفة ﻻ تتجاوز الساعات!!؟

عمق إنساني كبير لمواقف عديدة تجسدت أمامي خلال رحلتي، كشفت لي جانبًا من إصرار الملايين على الحضور لزيارة الأربعين.. فمَن يزور الإمام عارفًا بحقه يحقر ما دونه، ينفصل عن كل ما يربطه بالحياة الفانية ويرتبط بالحسين ونهجه وهو الحياة الخالدة، فيكون كما أراد له الله (إنسان) فقط (إنسان).

إذن كيف لا تتوق الأنفس للعودة إلى موطنها الأصيل، إلى إنسانيتها المسلوبة.. فرحلة الأربعين رحلة العودة إلى إنسانيتنا الضائعة في متاهات الحياة المادية.

ولهذا يبقى الحسين سر الوجود.


20 ديسمبر 2014
 

No comments:

Post a Comment