Friday, December 26, 2014

على ضفاف الذكريات (4) // ز.كاظم

 
 
بسم الله الرحمن الرحيم

بعدها قام صاحب النظرات المريبة بطرح سؤاله ونظراته مصوّبة نحونا: ما رأي الإسلام في قتال الشيعة؟!
 
امتنع الخطيب السوداني عن الإجابة لعلمه بكوننا شيعة إذ أخبره إبراهيم بمجيئنا، وربما لهذا السبب قام صاحب النظرات المريبة بطرح السؤال.. امتنع الخطيب عن الإجابة وتلقفها الحاضرون ولم يدّخروا إجاباتهم عن الأوصاف البشعة التي وصموها بالشيعة والتشيع من قبيل الزندقة والكفر وغيرها من ألفاظٍ تحمل الكثير من الحنق والغضب والحقد.. بعد أن شبع الحاضرون - وأغلبهم من الخليج - من طرح إجاباتهم تداخل عراقيٌ ليوقف هذا الغليان بكلمات هادئة لا أتذكرها بالضبط إلا أنها خالفت نبرة الإجابات السابقة.. بعد ذلك انتهت الأسئلة وتوجهوا لوضع مائدة الطعام ودعونا إليها، فاعتذرتُ عن التلبية إذ لم استسغ أن أمدّ يدي إلى طعامهم..


خرجنا من المسجد متوجهين إلى السيارة، فلحقنا إبراهيم ليسلّم علينا، فسألني: هل ستمر عليّ لصلاة الصبح، فقلتُ له ولماذا؟! ألم تسمع ما قاله أصحابك عنّا.. ألا تخجل؟! لقد كفّروا حتى أمّك وأباك وأنت تدّعي أنهم لا يتحدثوا عن الشيعة بسوء طوال معاشرتك لهم! حاول إبراهيم أن يبرر ما حدث لكن لم نكن لنقنع بتبريراته..

بعد هذه الحادثة بفترة ليست طويلة رنّ الهاتف في غرفتي ذات مرة وكان على طرف السماعة المقابل أخي الكبير يزجر ويرعد! وكان السبب هو أن صاحبي الذي جئت معه إلى أمريكا قد قام بالاتصال بعائلتي يخبرهم أنني ومجموعة من الطلبة قد توجهنا للجهاد في أفغانستان! كنتُ قد عرفتُ بالخبر قبل هذا الاتصال إذ انتشر بيننا في الكلية أن مجموعة من الطلبة الإماراتيين - من ضمنهم إبراهيم - وبعض السعوديين قد توجهوا للجهاد في أفغانستان.. تركوا الدراسة وبسرية قاموا بالسفر إلى باكستان للدخول لأفغانستان للجهاد ضد الروس.. يبدو أن فكرة "الخروج" عملية تمهيدية لهذه الخطوة ساهمت في تشجيع الطلبة للإقدام على السفر والهجرة من أجل الجهاد في أفغانستان. 


صورة معبرة عن الموضوع إحسان إلهي ظهيركانت عند الشباب السني - الملتزم - شخصيتان مؤثرتان، الأولى إحسان إلهي ظهير، والثانية عبد الله عزام. إحسان إلهي ظهير سلفي من باكستان كان حامل راية التكفير للطوائف الأخرى وعلى رأسها الشيعة بينما يُعتبر عبد الله عزام - فلسطيني - رائد الجهاد الأفغاني "ولقد كان له دور مهم في مسيرة الجهاد إذ كان حلقة اتصال بين المجاهدين الأفغان والمؤيدين لهم في البلدان العربية" [1]. كان لهاتين الشخصيتين حضور قوي عند الشباب السني سواء على شكل كتب أو محاضرات كاسيت أو أناشيد وغيرها.. 

لكن أشهر كتاب متداول لديهم هو: "وجاء دور المجوس" وهو كتاب لـ:

"مؤلفه الشيخ محمد سرور بن نايف زين العابدين في أواخر السبعينات بعد سيطرة الخميني على حكم إيران وقد كتبه باسم مستعار هو الدكتور عبدالله الغريب يتحدث فيه عن الأبعاد التاريخية والعقائدية والسياسية للثورة الإيرانية ويبين حقيقة الشيعة في رأيه وأنهم أنما هم يهود ومجوس يتسترون بالإسلام ليطعنوا فيه ويبين خيانات الرافضة للأمة طوال تاريخهم. يقع الكتاب في حوالي 500 صفحة من القطع الكبير وذكر المؤلف أن سماحة الشيخ ابن باز اشترى ثلاثة آلاف نسخة ووزعها". [2]  

لم يتمكن الطلبة المهاجرون من تحقيق أمنيتهم في الجهاد في أفغانستان إذ تم إيقافهم من قِبل السفارة الإماراتية في باكستان وتم إرجاعهم بعد ذلك إلى الإمارات، ولم تمض سوى أشهر إلا وعادوا لأمريكا من جديد.

من الأمور التي يواجه الطالب صعوبة فيها هي المواصلات، إذ أن أمريكا لمساحتها الكبيرة والمسافات المتباعدة بين مناطقها، فإما أن يستقل الباصات وهي متوفرة لكنها تستغرق وقتًا طويلًا نظرًا لبعد المسافات بين الأماكن أو أن يقتني سيارة ليتنقل بسهولة ويسر. لم أتمكن في تلك الفترة من اقتناء سيارة، لكن صديقي فيصل كانت لديه سيارة ورثها عن أخيه قبل أن يتخرج من الجامعة ويرحل إلى بلاده. ولكون فيصل يسكن في الجامعة، فقد كنّا نخرج مع بعض سواء للتسوق أو للتزاور..

أخبرني فيصل ذات مرة أن هناك مركزًا للشيعة يجتمعون فيه لقراء دعاء كميل وجلسات أسبوعية والاحتفال بالمناسبات الدينية.. تحمّستُ للفكرة وأردتُ أن أحضر المركز، فكان الموعد ليلة الجمعة لحضور دعاء كميل.. 

أتذكر أول مرة دخلت المركز الإسلامي في بورتلاند وهو عبارة عن شقة.. دخلتُ وكانت الأنوار مطفأة وصوتٌ يملأ الأرجاء بعبارات دعاء كميل تخرج من مكبر الصوت، وشباب كثير متوجهين للقبلة يستمعون الدعاء.. مد الجالس عن يميني يده وسلّمني نسخة من دعاء كميل مجموع في صفحات.. سَرَت كلماتُ الدعاء في داخلي وأحدث دفئًا افتقدته من عدة أشهر.. يا نور المستوحشين في الظلم.. أشعرتني بمدى الغربة في هذه البلاد البعيدة.. غربة المساجد والمآتم والدعاء وصلاة الجماعة.. ضج المكان بهتاف المستمعين يا سريع الرضا.. يا سريع الرضا.. يا سريع الرضا.. انتهى الدعاء وتم قراءة زيارة الإمام الحسين عليه السلام بعدها.. ثم فتحتُ الأنوار وبدأ الحاضرون يسلمون على بعضهم البعض..

كان أغلبية الحضور من القطيف والإحساء، وبعض الإيرانيين وعراقي واحد.. تكلمّتُ مع بعضهم وتعرفتُ عليهم ثم بعد الانتهاء رجعنا إلى السكن الجامعي.. بينما نحن راجعين في سيارة فيصل قلتُ له: لن أتمكن من حضور هذا المكان مرة ثانية..


يتبع في الحلقة القادمة..
 
27 ديسمبر 2014


_____________________________________________________________
[1,2] ويكيبيديا

No comments:

Post a Comment