Friday, December 26, 2014

الشُيُوعِيَّةُ، وإنْ غَابَ أو (غُيِّبَ) رَسْمُها (9) - "بين (الثورة) والسلمية" // محمد علي العلوي

 
 
بعد استعراض بيان الحزب الشيوعيّ لبعض الاشتراكيات التي يراها مشوَّهةً أو مُزيَّفةً، وصل لِمَا أسماه بالاشتراكيَّةِ والشيوعِيَّةِ النقديتين الطوباويَّتين، والطوباويَّة تصويرٌ للمثاليَّة التي توصَفُ بالحالمة المُحلِّقةِ بعيدًا عن الواقع في خيالاتِ مجتمع بِلا شُرور وبلا نِزاعات ولا صِراعات، والطوباويَّة تُقابِلُ الدستوبيا، وهي التجرُّد من الإنسانيَّة في مجتمع خبيث فاسِد بلا قيم..
 
فلندقق النظر الآن..
 
يقول البيان:
"فعن النشاط المجتمعي يستعيضون (ويقصد الطوباويين) بنشاط حذاقتهم الشخصية، وعن الشروط التاريخيَّة للتحرُّر يستعيضون بشروط كيفيَّة، وعن تنظِّيم البروليتاريا في طبقةٍ تنظيمًا تدريجيًّا متصاعِدًا يستعيضون بتنظِّيمٍ لمجتمعٍ يخلِقُونَه. وفي نظرهم، فإنَّ تاريخ العالم المقبل ينحلُّ في الدعاية وفي التنفيذ العملي لتصاميمهم المجتمعية".
 
ثُمَّ يستطرد، فيقول:
"فهم إذن، ينبذون كلَّ نشاط سياسي، وخصوصًا كلَّ نشاط ثوري، ويريدون بُلُوغَ هدفهم بطريقة سِلميَّة، ويُحاوِلُون أن يشقُّوا الطريق للإنجيل المجتمعي الجديد بتجارب صغيرة فاشلة بالطبع وبقوَّة المثال".
 
ثُمَّ إنَّه يختم الفصل الثالث من البيان بتصريح مباشر، فيقول:
"ولذا، يتصدَّون بضراوة (يقصد الطوباويين) لِكُلِّ حركةٍ سياسيَّةٍ عُمَّالِيَّةٍ، إذ لا يُمكِنُ أن تصدُرَ إلا عن كُفرٍ أعمى بالإنجيل الجديد".
 
ما أريِدُ الإلفات إليه في هذه الحلقة التاسعة، هو ضرورة الانتباه لموقف الفكر الشيوعي من السلوك البشري.
 
ما أفهمه، أنَّ الشيوعِيَّة تسعى لتهذيب السلوك البشري العام ولكن في اتِّجاهٍ واحد بلا شريك على الإطلاق، وهو اتِّجاه الصراع الطبقي الذي يرونه حتْميًا لا نقاش فيه، ولذلك فإنَّ كلَّ فِكْرةٍ تُخالِفُ نظرَهم، اتَّهمُوها بالسخافة والسذاجة والخيال والمِثاليَّة وما نحو ذلك، فالفكر الشيوعي قائِمٌ - بحسب ما أفهم - على قاعدة: (إمَّا أن تكون معي، وإلا فأنتَّ غبي)!!
 
ومن أخطَرِ ما يُرَوَّجُ إليه اليوم، المرادفة بين المثالية والسذاجة، وهذا ما سوف نتعرض لمناقشته في الحلقات القادمة إن شاء الله تعالى.
 
أدعو الآن للنظر الدقيق في هذا المقتبس من بيان الحزب الشيوعي:
"فهُم (الشيوعيون) يناضِلون لتحقيق الأهداف والمصالح المباشرة للطَّبقة العاملة، لكِنَّهم في الوقت نفسه يمثِّلون، في الحركة الراهنة، مستقبل الحركة.
 
ففي فرنسا ينضمُّ الشيوعيون إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي ضدّ البرجوازية المحافظة والراديكالية، بدون أن يتخلوا عن حقِّ اتّخاذ موقف نقدي من الجُمل الرنَّانة والأوهام التي خلَّفها التقليد الثوري.
 
وفي سويسرا، يُسانِدون الراديكاليين، بدون أن يَغيب عن بالهم أنَّ هذا الحزب يتكوَّنُ من عناصر متناقضة، متَّسِم (مُؤلَّف) من اشتراكيين وديمقراطيين بالمفهوم الفرنسي للكلمة، وقسم من برجوازيين راديكاليين.
 
وفي بولونيا (بولندا) يُسانِدُ الشيوعيون الحزب الذي يجعل من الثورة الزراعية شرطًا للتَّحرر الوطني، أي ذلك الحزب الذي بثَّ الحياة في انتفاضة كراكاو عام 1846.
 
وفي ألمانيا يُناضِلُ الحزب الشيوعيُّ مع البرجوازية كلَّما قاومتْ البرجوازية مقاومة ثورية، النظام الملكي المطلق, والملكية العقارية الإقطاعية، والبرجوازية الصغيرة الضيقة الأفق.
 
بيد أنَّه لا يتغافل لحظةً عن خلق وعي، واضح قدر الإمكان, لدى العمال حول التناقض العدائي بين البرجوازية والبروليتاريا، حتَّى يستطيع العُمَّالُ الألمان أن يوجِّهوا فورًا الشروط المجتمعية والسياسية التي توجِدُها البرجوازيَّة وسلطتُها، كأسلحة عديدة، ضدّ البرجوازيَّة، كي يبدأ النضال ضدّ البرجوازية نفسها فور إسقاط الطبقات الرجعية في ألمانيا".
 
ويستطرد في الخلاصة، فيقول:
"وباختصارٍ، يُسانِدُ الشيوعيِّون، في كُلِّ مكان، كُلَّ حركةٍ ثوريَّة ضدّ الأوضاع المجتمعية والسياسية القائمة".
 
ثُمَّ يختم قائلًا:
"وأخيرًا، يعمَلُ الشيوعيِّون، في كُلِّ مكانٍ، على إقامة العلاقات، وعلى تحقيق التفاهم بين الأحزاب الديمقراطية في جميع البلدان.
 
ويأنف الشيوعيون من إخفاء آرائهم ومقاصدهم، ويُنادون علانيَّة بأنْ لا سبيل لبلوغ أهدافهم إلاّ بإسقاط النظام المجتمعي القائم، بالعُنف.
 
فلترتعد الطبقات السائدة خوفًا مِنْ ثَورَةٍ شيوعية. فليس للبروليتاريين ما يفقدونه فيها سوى أغلالهم، وأمامهم عالمًا يكسبونه. أيُّها البروليتاريون، في جميع البلدان، اتحدوا".
 
أعتقِدُ باستحكام الرؤى الشيوعيَّة وتغلغلها في مختلف المجتمعات، حتى تلك التي تعلن عداءها لها، وقد تحدَّثَ بعضٌ عن مشتركات بين الشيوعية كفِكر ورؤى، وبين الأديان السماوية، ومنها، الإسلام، وهذا ما أرفضه تمامًا. أمَّا بسطُ الكلام فيأتي في حلقات متتابعة ابتداءً من الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى، وتحت نفس العنوان العام.. (الشُيُوعِيَّةُ، وإنْ غَابَ أو (غُيِّبَ) رَسْمُها).
 
ويبقى سؤالان أطرحهُما الآن وفي خاتِمَة كل حلقة من حلقات هذه السلسلة:
 
بأيِّ عينٍ وثقافةٍ ونَفْسِيَّةٍ ورُوحيَّةٍ نقرأ كتابَ الله المجيد وأحاديثَ المعصومين (عليهم السلام)؟
 
هل نحن على الطريق الصحيح أو أنَّنا في حاجة إلى مراجعات عاجلة وجادَّة جِدًّا؟
 
 
27 ديسمبر 2014

No comments:

Post a Comment