Friday, December 12, 2014

الصواب // أم علي

 
 
حين نتحدث عن الصواب فإننا نتحدث عنه من وجهة نظرنا نحن وطبقًا لما درجنا عليه وتعلمناه، وحسب القيم التي نشأنا عليها والعادات التي توارثناها، لذا نجد إن مصطلح الصواب هو مصطلح متغير تبعًا للبيئة التي نطرحه فيها وطبقًا للتعاطي مع مفردات الحالة العامة في تلك البيئة.. وكما قيل رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب، فهذه مقولة منصف وضع بعدالة ميزان وقاعدة تحتذى، وأظهر بجلاء احترامه للآخر.
 
وفي رأي المتواضع أرى إن مشكلتنا الحقيقية تكمن في عدم تقديرينا للآخر أو لرأيه، وقصور نظرتنا دومًا على وجه واحد هو رؤيتنا المحدودة للأمر وتغاضينا عن محاولة رؤية الأمر من أي جهة أخرى أو منظور مختلف. وهذه سمة للتفكير القاصر والمحدود وعلامة على جهلنا المطبق وضيق أفقنا الذي يتحكم في نظرتنا للأمور ويجعل فكرنا ذا اتجاه واحد محدد ومحصور لا نستطيع من خلاله الانفتاح على الآخر مهما كانت قيمة تفكيره أو قدرته على الإبداع والتطوير.
 
نحن كمجتمعات وأمم يقاس قدر تقدمنا بقدرتنا على تقبل الآخر وفهمه والاستفادة مما يقدمه وما يطرحه من أفكار، بل ومحاولة المزج بين الصواب فيما يطرحه وما نعتقد صحته لنخرج بنتائج باهرة. وكم من مجتمعات بل ودول فقدت مصداقيتها وتأخرت عن الأمم الأخرى حين تعرت وفضح أمر زيف ادعائها.. وكم من أمم عظم شأنها حين ثبتت على نهجها ودافعت عن قناعتها بإتاحة الفرصه للآخر وللأصوب بأن يسود دون ادعاء أجوف بأنها الأحق والأقدر والأعظم.
 
وإذا كان هذا يتضح بجلاء فيما يخص الأمم والمجتمعات لوضوح الصورة وكبرها وسهولة استقرائها، فإن هذا أيضًا صحيح على المستوى الشخصي، وأنت حين تتيح للآخر أن يعبر عن رأيه وتناقشه فيه بموضوعية فإما أنك تقنعه برأيك أو تقتنع برأيه الذي وقتها سيكون الأصح والأصوب.. وحينها فأنت الفائز في الحالتين لأنك توصلت لقرار أو قناعة صحيحة وصادقة.. ولعل المثال الواضح على ما قلت ما يحدث بين الأبناء والآباء، فهناك دومًا وفي كل موقف اختلاف في وجهات النظر ومع استبداد كل برأيه تظهر المشاكل وتستفحل، ففي أي موقف يرى كل منهما نفسه على صواب.. وإذا قمنا بتحليل المسأله سنجد كلاهما على حق، فطبقًا لظروف ونشأة وبيئة كل منهما مع المعطيات التي تساهم في تشكيل الوعي لدى كل منهما وهي مختلفة على الأغلب، طبقًا لكل هذا، تتشكل قناعة معينه وهي كما ذكرنا تختلف كليًا وبطريقه تجعلهما على طرفي نقيض، ورغم أنهما مختلفان تمامًا في تقديريهما ورأيهما إلا أنك حين تستمع لكل منهما وتقيم تقديره تجدك على يقين من صحة ما ذهب إليه.. ولحل تلك المعضلة هناك عدة طرق:
 
أولها: الطريقة السهلة والساذجة وهي طريقة فرض الرأي طبقًا لأي الطرفين أقوى، وهي طريقة متبعه على مستوى الدول والمجتمعات والأفراد خاصة إذا كان الطرف الأضعف لا يملك وسيله أو حيلة، أو إن بقائه معتمد كليًا أو جزئيًا على الطرف الأقوى.
 
ثانيها: تلك الطرق هو التصادم وتحدث حين يزيد الضغط على الطرف الأضعف فيعلن رفضه ويتنمر سواء أكان تنمره يعبر عن قوة حقيقية أو قوة مفتعلة وادعاء فارغ، أو حين يشعر الأضعف بقوته فجأة ويريد أن يختبرها في معركة تكسير عظام، ولا يقدر على هذا إلا من يتمتع بقدرة على المجازفة، وهي حالة تتعاظم على كل المستويات التي ذكرناها سواء الأفراد أو المجتمعات أو حتى الأمم، ويغامر أصحابها بمستقبلهم وهم يعولون على رهانهم أن ينقذهم بعدما يكون اليأس قد تمكن منهم.
 
أما ثالث تلك الطرق فهي قراءة الآخر ومحاولة فهمه ونقاشه بل وتقديم بعض التنازل للالتقاء معه في منتصف الطريق، دون أن نغالي في التنازلات أو نجحف حقه في المشاركة برؤياه فيما اختلفنا حوله.. وهذه وإن كانت سمة معظم العلاقات الدولية بين الأمم إلا إنها تفلح كثيرًا فيما بين الأفراد وبعضهم البعض، خاصة إذا كان الخلاف ناشيء عن اختلاف الأجيال أو البية المحيطة التي تصور لكل طرف أنه صاحب الحق وصاحب الرأي الأصوب، كما بين الآباء والأبناء.
 
إذن فالصواب مسأله نسبيه تختلف حسب نظرة كل طرف للمسألة المطروحة والتي يدور حولها الجدل.. وإذا كان منطق القوة هو ما يحكم العلاقات الدولية بل وأيضًا العلاقات داخل المجتمعات وحسب قوة القبيلة أو الأسرة ونفوذها، فإن هذا المنطق ذاته لا يصلح حين يتعلق الأمر بالأفراد لأننا هنا بصدد التعامل مع مشاعر وأحاسيس، مع كينونة بشرية تملك بجانب لبها قدر هائل من المشاعر الإنسانية والأحاسيس البشرية التي تسيطر على تصرفاتها وردود أفعالها. ولعل الاختلاف الواسع بين شرائح البشر يجعل من مسألة تحديد الأصوب أمرًا عسيرًا، اللهم إلا إذا احتكمنا للضمير الإنساني وارتضينا به سواء أظهر الحق لنا أو علينا.
 
 
13 ديسمبر 2014 

No comments:

Post a Comment