خلق الله البشر متشابهين جِدًّا، إلا إنَّهم مليؤون بالاختلافات، ألوانهم وأعراقهم ولغاتهم ولهجاتهم، بل أكثر من ذلك إنَّهم مختلفون بأديانهم ومذاهبهم وطرق تعبيرهم وأساليب كلامهم.
وكذلك وهب الله الإنسان القدرةَ على تكوين انطباع مبدئي حول إنسان آخر إلتقاه للتو، تحدث معه أو قدَّم له خدمة ما، أيًّا كان لونه وعرقه ولغته.
إنَّ الانطباع الأولِّي الذي يكوِّنه الإنسان عن الآخرين، أمر في غاية الأهمية، وعامل مؤثِّر في إمضاء أو فرملة العلاقات الاجتماعية، بل والعملية أحيانًا، فلقاء عابر على بوابة مبنى ما، قد يتحول لصداقة يمتدُّ عمرها لسنوات وأجيال، وكلمة سمعناها صدفةً من مألوف، اعتدنا رؤيته كلَّ يوم، قد تئِد أيَّ إمكانية لتطوير علاقة من أيِّ نوع مع هذا الإنسان.
لقد اعتدنا على الاستماع لنصائح وعِبَر، تعظنا أن لا نتسرع في الحكم على الآخرين، وهي نصائح قيّمة ومهمّة، لكنَّنا أيضًا نحتاج ويحتاج الآخرون، أن يكونوا أكفّاء في عكس صورة حقيقية عن أنفسهم، تساهم في تكوين انطباع مبدئي قريب للصحة عن شخصياتهم.
إنَّنا في المجتمع الواحد، فضلًا عن تواجدنا في مجتمعات غير مجتمعاتنا، فإنَّنا متشابهون نعيش في بحر لجِّي من الاختلافات، ونحتاج لبناء قوارب تفاهم بيننا وبين الآخرين، لتنتشلنا من دوّامات سوء الظن والضغينة. فكيف نمدّ أيدينا نحو فهم صحيح عن أنفسنا حين نتواجد بين الآخرين؟
يقول رسولُ الرحمة عن الابتسامة بأنَّها صدقة، ولا أظن أنَّ تلك الصدقة أرادها الله لنا اعتباطًا، أو لمجرد حصد المزيد من الحسنات الأخروية، بل إنَّ ثمارها تبدأ من الدنيا، ولاتنتهي إلَّا في الجنة حيث الخلود، وهي بوابة تستخدمها كلُّ شعوب الكرة الأرضية، حتى تلك الشعوب التي ربَّما، لم تسمع بالنبي محمد (صلى الله عليه وآله).
رغم ذلك قد يُقبل امرؤٌ على الآخرين بوجه مكفهّر، ليستغرب بعد حين من اعتقادٍ رسمه الآخرون عنه، كإنسان متجهّم يملأه الغرور، ورغم خطأ التسرع في الحكم عليه، إلا إنَّه ساهم بدرجة كبيرة في ترك ذلك الانطباع، وسيكون عليه بذل مجهود أكبر من المعتاد، ليُغيّره حين يقرر المضي في تكوين علاقات مع شخصيات من محيطه.
نوع آخر من البشر، يجيد لقاء الآخرين بسيمفونية الشكوى، فما إن يتعرف أحدهم على الآخرين، حتى يملأ آذانهم وقلوبهم من البلايا، التي أجراها الدهر عليه، فهو المحسود دائمًا، وهو من يتربص به الآخرون الدوائر دائمًا، وهو من يُردُّ على إحسانه بالسيئات دائمًا، وهو المغلوب على أمره، وهو الصابر على البلاء، ولن يتوقف سيل الشكاوى، حتى يمنّ الله على مستمعه بالهرب من بين يديه، ثم حين يلتقي آخرين سيحدِّثهم أيضًا بأنَّه الطيب الذي يتحاشاه الناس دائمًا!
قد تكون تلك الصورة التي يسعى أحدهم لرسمها عن نفسه في الأذهان، ناتجة عن تصور خاطئ، إذ يعتقد أنَّ الإنسان لا بدَّ أن يجر تعاطف الآخرين حتى يكسبهم، ناسيًا إنَّ كُلَّ امرئٍ يحمل بصدره همًّا ينتظر أن يفرجه الله، أو حلمًا ينتظر أن يحقِّقَه الباري، أو سحابة قلق لا زال ينتظر أن تنقشع من قلبه.
تفاجأتُ حين التقيت بفتاة صغيرة السن، جميلة المحيا، والتي ما إن ابتسمتُ بوجهها حتى أمطرتني بابتلاءاتها، (يختي لا تحسبين ابتسم مرتاحة.. إلا أسلي روحي!)..
صِدقًا أشفقتُ كثيرًا عليها، وأُشفق على كثيرين يُبطِلون صدقاتهم (ابتساماتهم) بالمنِّ والأذى.. ليست الابتسامة مؤشر سعادة.. إنَّها مؤشر رضا!
أعرف إنَّ بعض البشر ممتحنون، وإنَّهم يحتاجون (للفضفضة)..
فلننتخب الله لشكوانا ثُمَّ لننتخب صديقًا أمينًا نبثُّ له خلجات وجعنا..
ذلك إنَّ الشكوى لغير الله مذلة.
20 ديسمبر 2014
No comments:
Post a Comment