Friday, December 19, 2014

الشُيُوعِيَّةُ، وإنْ غَابَ أو (غُيِّبَ) رَسْمُها (8) - "البيان الشيوعي ومنهجية الحصر"// محمد علي العلوي

 
 
الاشتراكية..
 
إنَّها الرايةُ التي يرفعُها كُلُّ من يتصدَّى لقيادة حِرَاكٍ إصلاحي في المجتمع، وقد تغيَّرَ رسمُها بعد أنْ نَجَحَ الغربُ الرأسماليُّ في تحويل الشيوعية في أذهان الشعوب إلى بعبع، وهذا المقطع الأخير هو الذي أشار إليه بيان الحزب الشيوعي في مقدمته عندما قال:
 
"شبحٌ ينتاب أوروبا - شبح الشيوعية.. ضد هذا الشبح اتَّحدت في طِرَادٍ رهيب قوى أوروبا العجوز كلها: البابا والقيصر، مترنيخ وغيزو، الراديكاليون الفرنسيون والبوليس الألماني.
فأيُّ حِزْبٍ معارض لم يتَّهِمه خصومُه في السلطة بالشيوعية؟
و أيُّ حِزْبٍ معارض لم يرد، بدوره، تهمة الشيوعية الشائنة، إلى أقسام المعارضة الأكثر تقدمية، و إلى خصومه الرجعيين؟
 
ومن هذا الواقع يُستنتج أمران:
• إنَّ قوى أوروبا كلها أصبحت تعترف بالشيوعية كـقوة.
• إنَّ الشيوعيين قد آن لهم أن يعرضوا، أمام العالم كله، طرق تفكيرهم، وأهدافهم، واتجاهاتهم، وأن يواجهوا خرافة شبح الشيوعية ببيان من الحزب نفسه.
 
و لهذه الغاية، اجتمع في لندن شيوعيون من مختلف القوميات، ووضعوا البيان الآتي، الذي سيصدر باللغات: الإنكليزية، والفرنسية، والألمانية، والإيطالية، والفلمنكية، والدانماركية."
 
تتَّسِمُ (الاشتراكية) بِنَغْمَةِ أملٍ تُراقِصُ أحلامَ المحرومين، كما وإنَّها وبمقتضى ضرورة المقابلة (ثورة) صريحة على البرجوازية وكل ما يّمُتُّ إلى الإقطاعية أو الرأسمالية أو الأرستقراطية بصلة، ولأنَّها كذلك؛ فقد اتخذتها مختلف التوجهات شعارًا لحراكها الديالكتيكي، فكانت (الاشتراكية الإقطاعية)، وهذا اقتباس مهم جدًّا من بيان الحزب الشيوعي:
 
"وَجدتْ الأرستقراطية الفرنسية والإنكليزية نفسها مدعوّة، بحكم موقعها التاريخي، إلى كتابة قطع هجائية ضدّ المجتمع البرجوازي الحديث، ففي ثورة تمُّوز (يوليو) الفرنسية عام 1830، وفي حركة الإصلاح الإنكليزية، كانت قد انهزمت مرة أخرى، أمام هذا الوصوليّ المقيت، فلم يعد ممكنًا الحديث عن نضال سياسي جديّ. لقد بقي لها النضال الأدبي فقط، ولكن التشدقات الكلامية القديمة، عهد إعادة المَلَكية، غدت في ميدان الأدب أيضا مستحيلة، ولتستدرَّ العطف اضطرت الأرستقراطية إلى التظاهر بالتخلّي عن مصالحها، وإلى وضع قرارها الإتهامي ضد البرجوازية لمصلحة الطبقة العاملة المستَغلَّة فقط، وعلى هذا الوجه وفَّرت لنفسها لذة هجاء سيّدها الجديد بواسطة الأغاني، والغمغمة في أذنه بتنبؤات مشحونة بفيض من النذر.
 
وهكذا نشأت الاشتراكية الإقطاعية مزيجًا من نحيب وهجاء من صدى الماضي ووعيد المستقبل، مُصِيَبةً أحيانًا البرجوازية في الصميم بحُكم قاس ثاقب، ومُثيرة السخرية باستمرار لعجزها التام عن إدراك مسيرة التاريخ الحديث.
 
فعِوضًا عن التلويح بالرّاية لوَّح الأرستقراطيون بمِخْلاة التسوّل البروليتارية، ليحشروا الشعب خلفهم، لكنَّه ما أن تبعهم حتى لمح على عجيزتهم شارات النَّسَب الإقطاعية القديمة، فانفضَّ عنهم بقهقهات وقحة مستخفة".
 
ينبغي الالتفات هنا إلى أن مصطلحات الأرستقراطية والإقطاعية ليست محصورة في ما وضعت إليه من معاني في بادئ أمرها، فهي اليوم قد تحولت إلى ثقافة وفكر، فقد تكون الأرستقراطيةُ طبقةً تسعى فِئةٌ لتكوينها والكينونة في مفهومها، وكذلك الإقطاعية، وهذه مسألة مُهِمَّة في مقام البحث والتحليل.
 
وفي حالة أخرى لعبت الحضارة الحديثة دورًا في تكوُّنِ برجوازية جديدة لا هي إلى برجوازيتها، ولا هي إلى البروليتاريا. يقول عنها البيان:
 
"وفي البلدان، التي نمت فيها الحضارة الحديثة، تكونت برجوازية صغيرة جديدة تتأرجح بين البروليتاريا والبرجوازية، وهي كجزء مُكَمِّل للمجتمع البرجوازي لا تفتأ تعيد تشكيل نفسها؛ ومن جرّاء المزاحمة ينحدر أفرادها باستمرار إلى (صفوف) البروليتاريا؛ بالإضافة إلى ذلك يرون، مع نمو الصناعة الكبيرة، اقتراب الساعة التي سيضمحلّون فيها كليّا، بوصفهم قِسمًا مستقلًّا عن المجتمع الحديث، ليحُلّ محلَّهم، في التجارة والمانيفاتورة والزراعة، نُظّار العمل والمستخدمين.
 
وكان طبيعيًّا في بلدان مثل فرنسا، حيث تُشكّل طبقة الفلاحين أكثر من نصف السكان، أن يَعمد الكُـتّاب، الذين يناصرون البروليتاريا ضد البرجوازية، إلى استخدام معيار برجوازي صغير وفلَّاحي صغير في نقدهم النظام البرجوازي، وأن ينحازوا إلى العُمَّال من وجهة نظر البرجوازية الصغيرة، وعلى هذا الوجه تكونت الاشتراكية البرجوازية الصغيرة".
 
أقول:
كما أنَّ ما اصطُلِحَ عليه وصفًا لبعض الطبقات في المجتمع قد خرج عن ما وضع له وتحول إلى ثقافة عملية، كذلك يبدو أنَّ الاشتراكية قد أصبحت ثقافةً (سياسية) تطرحها بعض الأحزاب والتوجهات بأسماء أخرى فرارًا من الاتهام بالشيوعية، وهذا ما ينبغي للباحث التنبُّه إليه جيِّدًا.
 
نلتفت إلى أهميِّةُ هذه المسألة عندما نقف على تصريح البيان الشيوعي في فصله الرابع، إذ يقول:
 
"وفقًا للفصل الثاني، يتَّضح بالبداهة موقف الشيوعيين من الأحزاب العُمَّالية القائمة، وبالتالي موقفهم من الشارتيين في إنكلترا، والإصلاحيين الزراعيين في أمريكا الشمالية.
فهم (الشيوعيون) يناضلون لتحقيق الأهداف والمصالح المباشرة للطبقة العاملة، لكِنَّهم في الوقت نفسه يمثِّلون، في الحركة الراهنة، مستقبل الحركة، ففي فرنسا ينضم الشيوعيون إلى الحزب الإشتراكي الديمقراطي ضدّ البرجوازية المحافظة والراديكالية، بدون أن يتخلوا عن حقِّ اتّخاذ موقف نقدي من الجُمل الرنانة والأوهام التي خلَّفها التقليد الثوري".
 
أشير هنا إلى أنَّ المقالات القادمة - إن شاء الله تعالى - سوف تبدأ بالانعطاف نحو جمع بعض النصوص المحورية في الربط تحليلًا وتركيبًا، حتى ينتهي القارئ إلى صورة متكاملة - قدر الإمكان -، فيتمكن من قراءةٍ قد تكون جديدة في فهم الواقع الذي نعيشه اليوم.
 
ويبقى سؤالان أطرحهما الآن وفي خاتمة كل حلقة من حلقات هذه السلسلة:
 
بأيِّ عينٍ وثقافةٍ ونَفْسِيَّةٍ ورُوحيَّةٍ نقرأ كتابَ الله المجيد وأحاديثَ المعصومين (عليهم السلام)؟
هل نحن على الطريق الصحيح أو أنَّنا في حاجة إلى مراجعات عاجلة وجادَّة جِدًّا؟
 
 
20 ديسمبر 2014

No comments:

Post a Comment