Friday, December 12, 2014

الشُيُوعِيَّةُ، وإنْ غَابَ أو (غُيِّبَ) رَسْمُها (6) - "الوجود الشيوعي في عمق التحولات الثقافية" // محمد علي العلوي

 
 
"والتُهم الموجَّهة إلى الشيوعية، من وجهات نظر دينية فلسفية آيديولوجية، عمومًا، لا تستحق نقاشًا أكثر تفصيلًا".
 
أعتقدُ أنَّ هذه العبارة في بيان الحزب الشيوعي (الفصل الثاني)، هي في الواقع من المباني الثقافية الفكرية في منظومة العمل الشيوعي التي يظهر فيها العامل تامَّ اللياقة والرشاقة، فهو على الدرب بكامل قناعاته، ولا يأبه بغير مشروعه الأكبر، وربما يُلاحَظُ على الشيوعيين بشكل عام غلبة الهدوء والاستقرار في عملهم، على العصبية وأخواتها، وربَّما تكون مضامين هذه العبارة مِمَّا يُؤدَّبُ عليه الشيوعيُّ في مراحل تَنظِيمه.
 
وفي تصوري أن العبارة المُقتَبَسة تأتي متناغمة وبشكل كبير مع الرؤية الشيوعية للحركة التغييرية في المجتمع نحو زوال الطبقات، يقول البيان:
 
"فالعمَّال لا وطن لهم، فلا يمكن أن يُسلب منهم ما لا يملكونه. وبما إنَّه ينبغي على البروليتاريا أن تستولي، أولًا، على السلطة السياسية، وأن تُنَصِّب نفسها طبقة قومية، وأن تتقوم كأُمَّة، فإنَّها ما تزال وطنية، لكن ليس بالمعنى البرجوازي للكلمة".
 
ثم يستطرد في بيانه:
"فمع نمو البرجوازية، مع حرِّية التجارة، مع السوق العالمية، مع التماثل في الإنتاج الصناعي والأوضاع الحياتية الملائمة لذلك، تزول الفواصِلُ القومية والتناقضات بين الشعوب، أكثر فأكثر".
 
ويُكمِلُ:
"وسيطرة البروليتاريا ستزيلها أكثر فأكثر، وعمل البروليتاريا الموحَّد، في البلدان المتحضرة على الأقل، هو أحد الشروط الأوليَّة لتحرُّرِها.
 
وبقدر ما يُقضى على استغلال الفرد للفرد، يُقضى على استغلال أمَّة لأمَّة أخرى. ومع زوال التناحر بين الطبقات داخل الأمة، يزول موقف العداء بين الأمم".
 
تلك هي الصورة العامة للرؤية الشيوعية، ومسؤولية الشيوعي تجاهها، هي المساهمة في دفع العربة والعمل على توجيهها بالشكل المطلوب، لِئَلَّا تَشغِلها المُعَطِّلات من قبيل شعارات الدين والأخلاق والحقوق وما نحو ذلك مما تراه الشيوعية من سَفَاسِف الأمور.
 
إذن، والحال هكذا، ما الداعي للعصبية والانشغال بِرَدِّ التهم وبِرَدِّ الردود عليها؟
 
يسخَرُ الفِكرُ الشيوعيُّ تمامًا من دعوى (الثوابت)، فهو يرى، بل يقوم في ثقافته على قاهرية التحول في كل شيء، ويَعجَبُ ممن يُنكِرُ عليه ذلك.
 
يقول:
"فحينما كان العالمُ القديم يتهاوى، انتصر الدين المسيحي على الأديان القديمة، وحينما غُلِبتْ الأفكار المسيحية على أمرها، في القرن الثامن عشر أمام أفكار التنوير، كان المجتمع الإقطاعي يلفظ أنفاسه الأخيرة في صراعه مع البرجوازية، الثورية آنئِذ. ولم تكن أفكارُ حُرِّية المعتقد والحُرِّية الدينية إلا تعبيرًا عن نظام المزاحمة الحرَّة في مجال المعرفة".
 
ثم يبدأ البيان بطرح رؤيته، فيقول:
"وقد يقال: إنَّ الأفكار الدينية والأخلاقية والفلسفية والسياسية والحقوقية، إلخ..، قد تعدَّلتْ بلا شك في مجرى التطور التاريخي، لَكِنَّ الدين والأخلاق والفلسفة والسياسة والحقوق ظلَّتْ قائمة وسط هذا التحول.
 
وفوق ذلك، هناك حقائق ثابتة، مثل الحرية والعدالة، إلخ..، هي واحدة في جميع الأوضاع المجتمعية".
 
وهنا يذكر البيانُ تُهْمَةً تُوجَّهُ إلى الشيوعية، فيقول:
"والحال إنَّ الشيوعية تُلغِي الحقائق الثابتة، تلغي الأديان والأخلاق بدل تجديد تشكيلهما، فهي تُنَاقِضُ، إذن، التطورات التاريخية السابقة كلها!".
 
وفي مقام الردِّ، يقول:
"فإلامَ تؤول هذه التهمة؟
إنَّ تاريخَ كل مجتمع، حتى الآن، كان يتحرك في تناحرات طبقية، اتخذت أشكالًا مختلفة حسب العهود المختلفة".
 
ثم يستطرد قائلًا:
"ولكن مهما كان الشكل الذي اتخذته هذه التناحرات على الدوام، فإنَّ استغلال قسم من المجتمع للقسم الآخر هو واقع واحد لجميع العصور السالفة. ولا عجب إذن إن كان الوعي المجتمعي، في كل العصور، يتحرك، رغم التنوع والتباين، في أشكال مشتركة (واحدة) معينة، في أشكال من الوعي لا تنحلُّ تمامًا إلا بزوال التناحر الطبقي كلِّيًا".
 
وهنا البناء الآلي الأصل:
"فالثورة الشيوعية، هي القطيعة الأكثر جذرية مع علاقات الملكية المتوارثة، ولا غرابة في أن تقطع في مجرى نموها، بجذرية أشد، صلتها بالأفكار المتوارثة".
 
أُوَجِّهُ في هذه اللحظة إلى تتبع التحولات الثقافية في حدود خصوص المنطقة العربية منذ خمسينات القرن المنصرم وحتى اليوم، وذلك في مجمل العناوين القِيَمِيَّة، وخصوصًا الدينية والأخلاقية والعُرْفِيَّة.
 
نعم، فَمِمَّا ينبغي التسليمُ إلى طبيعيته، أنَّ الرؤى الدينية والأخلاقية والعُرْفِيَّة، تتغير بتغير منظومة الظروف المجتمعية، ولكنَّ التَغَيُّر من المفترض أن يكون طولِيًّا تطوريًّا، لا ناقِضًا للأصل، وهذا بالبناء على تسليمنا بوجود ثوابت تقوم عليها إنسانية الإنسان.
 
غير إنَّ الذي يَحدِثُ مستغرِقًا جيلين كاملين، هو نقضٌ تراكميٌّ لأصل فكرة الثوابت، ونشهد اليوم نتاج ذلك العمل التراكمي الدقيق، وهذا ما سوف أُبينه إن شاء الله تعالى في المقالات التالية لمقالات الاستعراض العام لبيان الحزب الشيوعي.
 
لاحظوا هذه الدقة الفائقة في الحراك الشيوعي.
يقول البيان:
"فقبلًا رأينا الخطوة الأولى في ثورة العُمَّال هي ترفيع البروليتاريا إلى طبقةٍ سائِدَةٍ والفوز بالديموقراطية. فالبروليتاريا ستستخدم سلطتها السياسية لتنتزع من البرجوازية تدريجِيًّا، رأس المال كله، ولِتُمَركز أدوات الإنتاج كلِّها في أيدي الدولة، أي في أيدي البروليتاريا المُنَظمة في طبقة سائدة، ولتزيد حجم القوى المُنتِجة بأقصى سرعة ممكنة".
 
وهنا توجيه مُهِمٌّ جِدًّا، في قوله:
"وفي البداية، لا يمكن حدوث ذلك طبعًا، إلا بالانتهاك الاستبدادي لحقِّ الملكية ولعلاقات الإنتاج البرجوازية، أي بتدابير تبدو، اقتصاديًا ناقصة وغير مأمونة البقاء، لكِنَّها تتجاوز نفسها في مجرى الحركة، وهي لا غنى عنها كوسيلة لقلب نمط الإنتاج بأسره".!!
 
ويبقى سؤالان أطرحهما الآن وفي خاتمة كل حلقة من حلقات هذه السلسلة:
 
بأيِّ عينٍ وثقافةٍ ونَفْسِيَّةٍ ورُوحيَّةٍ نقرأ كتابَ الله المجيد وأحاديثَ المعصومين (عليهم السلام)؟
 
هل نحن على الطريق الصحيح أو أنَّنا في حاجة إلى مراجعات عاجلة وجادَّة جِدًّا؟
 
 
5 ديسمبر 2014

No comments:

Post a Comment