لا يمكن إلا أن تكون مهاجمًا أو في وضعية الهجوم، وإلا فأنت مدافع شئت أم أبيت.
هذا، لأن اللا هجوم وعدم الدفاع يعني الموت لا محالة.
أنهت الدولة الإيرانية حربها مع العراق في ١٩٨٩م، وتركت الاحتفالات بالنصر لغيرها، أما هي فقد ركزت جهودها في أمرين:
الأول: صد الهجمات من أعدائها على نحو الدفاع السلبي في مباريات كرة القدم، فالمدافع وفقًا لهذه الطريقة غير ملزم إلا بإبعاد الكرة عن مرماه، ولا يُطلب منه الإعداد من الصفوف الخلفية لهجمات مضادة.
أما الثاني: فهو التفرغ التام لبناء صفوف علمية قوية قادرة على البناء من جهة وتشكيل الهجمات متى ما اقتضت الحاجة من جهة أخرى.
من تابع مباراة المنتخب الإيراني ضد المنتخب الأرجنتيني في٢١ يونيو ٢٠١٤م (الأدوار التمهيدية لبطولة كأس العالم 2014 – البرازيل) يدرك جيدًا الإحكام الدفاعي الذي كان ينتهجه الإيرانيون طوال تسعين دقيقة هي مدة الشوطين، ولكن المفاجأة أن هدف الفوز الأرجنتيني جاء في الوقت بدل الضائع لِيُذْهِب بجهود الدفاعات الإيرانية أدراج الرياح.
دافع المنتخب الإيراني كما دافعت دولتُه، ولكنه أهمل الإعداد الداخلي لخط هجوم قوي يُفَعِّلُهُ عند ساعة الصفر التي عادة ما يُطْلَبُ فيها قلب المعادلات.
أخطأ المنتخب الإيراني، ولا ينبغي للشعوب أن تكرر المكرّر، وكذلك لا ينبغي لها أن تهاجم مهاجمة الثور الأسباني حتى لا ينتهي بها الأمر إلى مثل الخنجر الذي يُغْرَسُ في مُخَيخِيه فيخر صريعًا ويتراقص القاتل على جثته!
وبالمناسبة، فالإيرانيون اتبعوا استراتيجية البناء الداخلي مرتين، ونجحوا فيهما، أما الأولى فتربية الناشئة لعقدين قبل قيام الثورة، فالثورة وإن كانت بعقول الكبار، إلا أنها بعقيدة الشباب قبل سواعدهم، ومن أولئك الشباب الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد!
وأما المرة الثانية فهي التي أشرنا إليها قبل قليل، وهي مرحلة ما بعد الحرب مع العراق.
ولذلك فإن إيران اليوم هي إيران الجمهورية الإسلامية التي عادت رقمًا صعبًا في المنطقة، بل وأكثر من كونها كذلك، فهي الدولة التي تمسك تمامًا بالمهم من أطراف الخيوط المحركة للحدث، وقد كان في دائرة إمكان المنتخب الإيراني تحقيق الأعاجيب في مبارياته العالمية، لو كان قد قرر المشاركة من أجل المنافسة، لا من أجل مجرد المشاركة ورفع عدد المرات التي وصل فيها إلى بطولة كأس العالم!!
ليس الأهم أن يقول المؤمن للظالم: أنت ظالم!
ليس الأهم أن يخرج المعارض للطاغوت في مظاهرة أو مسيرة أو ما شابه!
المهم والأهم أن نتعلم كيف أن العاقل الحكيم لا يُعَرِّض نفسه لمخاطر الإبادة والتصفية، وفي نفس الوقت يمارس البناء الصحيح في مراحله المدروسة حتى يظهر في الواقع قويًّا ذا شأن، وإن كان وقد أخذتنا الحماسة في بعض المفاصل، فيبقى أمر المراجعة حالة صحية.
29 يونيه 2014
No comments:
Post a Comment