Friday, July 25, 2014

يوم القدس العالمي // ز.كاظم


 


خرجتْ مجموعةٌ من الشباب من إحدى مدن أمريكا الشمالية ليلة الجمعة بعد تناول وجبة الإفطار متوجهين إلى لوس أنجلوس لإحياء يوم القدس العالمي. تستغرق المسافة إثني عشر ساعة سياقةً تقريبًا. وقد كان الشباب متعبين جدًا خصوصًا أن الوقت ليلٌ والمسافةُ طويلةٌ والبطونُ ممتلئةٌ بوجبة الإفطار.. ويأتي هذا السفر بعد طولِ يومٍ شاق من الصيام.. قالوا لصاحبهم السائق سوف نغفلُ قليلًا، فهل أنت مستعد للسياقة، أجابهم بنعم.. ناموا ولمّا أصبحوا عند الفجر كانت السيارة متوقفة على جنب الشارع العام، ولم تتعدى عدة أميال من منطقتهم التي خرجوا منها.. فقد نام صاحبهم السائق بعدهم مباشرة.. أحسوا بغصّة من عدم تمكنهم المشاركة في مراسيم يوم القدس العالمي وطفقوا راجعين الى ديارهم خائبين..
 
تم تحديد آخر جمعة في شهر رمضان المبارك يومًا للقدس العالمي من قِبَلِ السيد الإمام الخميني (قدس سره) في أغسطس عام 1979، أي بعد انتصار الثورة الإسلامية في ايران من ذلك العام. وقد قال قدس سره "وإنني أدعو المسلمين في جميع أنحاء العالم لتكريس يوم الجمعة الأخيرة من هذا الشهر الفضيل من شهر رمضان المبارك ليكون يوم القدس، وإعلان التضامن الدولي من المسلمين في دعم الحقوق المشروعة للشعب المسلم في فلسطين. لسنوات طويلة، قمت بتحذير المسلمين من الخطر الذي تشكله إسرائيل الغاصبة والتي اليوم تكثف هجماتها الوحشية ضد الإخوة والأخوات الفلسطينيين، والتي هي في جنوب لبنان على وجه الخصوص، مستمرة في قصف منازل الفلسطينيين على أمل سحق النضال الفلسطيني. وأطلب من جميع المسلمين في العالم والحكومات الإسلامية على العمل معًا لقطع يد هذه الغاصبة ومؤيديها. وإنني أدعو جميع المسلمين في العالم لتحديد واختيار يوم القدس العالمي في الجمعة الأخيرة في شهر رمضان الكريم –الذي هو في حد ذاته فترة محددة يمكن أيضًا أن يكون العامل المحدد لمصير الشعب الفلسطيني- وخلال حفل يدل على تضامن المسلمين في جميع أنحاء العالم، تعلن تأييدها للحقوق المشروعة للشعب المسلم. أسأل الله العلي القدير أن ينصر المسلمين على الكافرين".
 

 
كانت هذه البداية وانتشرت هذه الدعوة فصارت تقام التظاهرات والمسيرات تضامنًا مع الشعب الفلسطيني في أغلب البلدان الإسلامية والعربية، بل حتى الغرب ومن ضمنها الولايات الأمريكية المتحدة حيث يقام هذا اليوم في عدة مدن أمريكية كبرى في لوس أنجلوس وواشنطن ونيويورك.. إلخ. فتخرج المسيرات المناهضة للاحتلال الإسرائيلي والمتضامنة مع الشعب الفلسطيني. كانت تلك المظاهرات والمسيرات في أوجها في ذروة نشاطها الحيوي والإيماني فكرة وتطبيقًا في عقد الثمانينات من القرن المنصرم، وهي لا تزال تقام على أية حال لكنها أصبحت أقرب للعادة السنوية منها للتضامن الحقيقي وهكذا هي مشكلتنا مع جميع الفعاليات والممارسات التي تنطلق من أجل هدف معين وتتكرر عامًا بعد عام لتعود مجرد كرنفالٍ أو طقوسٍ أو احتفالاتٍ سنويةٍ نقيمها من أجل الفعالية نفسها لا من أجل الهدف التي انطلقت منه الفعالية. وقد لا تُستثنى أي مراسيم أو طقوس أو فعاليات من هذه الحالة، حالة البداية من النشاط والحيوية والهدفية إلى حالة الروتين والتكرار واللاهدفية.
 
ما الذي يجعلنا كبشر هكذا! فلنأخذ على سبيل المثال فعالية يوم القدس العالمي؟! تُرى لماذا انطلقت هذه الفعالية؟ وما هي الأهداف المرجوة منها؟!
 
طبعًا لا شك أن التضامن المعنوي في أدنى صوره حالة محمودة ولا يصح تركه بسبب عدم تحقيقه للمراد المادي أو الأهداف الكبرى. فالتضامن مع الشعب الفلسطيني ومواساتهم ومشاركتهم أحزانهم وآلامهم -خصوصًا في هذه الأيام التي يتعرضون فيها للجرائم البشعة من قبل الدولة العبرية- هذا التضامن والانسجام المعنوي مع ما يحدث حالة مهمة جدًا على المسلمِ أن لا يتساهل بها وأن لا يخلط أو يوهم نفسه خطئًا بهذه الجدلية كأن يقول ماذا ينفع الفلسطينيون هذا التفاعل! لا. هذه مغالطة، فالتفاعل ليس للفلسطينيين فحسب، بل هو -التفاعل- لنا نحن المتفاعلون مع القضية الفلسطينية وأهلها لكي لا تموت قلوبنا ومشاعرنا أو تصبح كالحجارة أو أشد قسوة. يجب أن يظل التفاعلُ قائمًا وحاضرًا تفاعلًا حقيقيًا مُبقِيًا للقلوب إنسانيتها ورحمتها وتضامنها مع المظلوم وضد الظالم، مع الرحمة وضد الوحشية.. وهذا يجب أن يظل حاضرًا مع كل حالة يُهضم فيها حقٌ ويُسلب، أن نكون مع المظلوم وأن لا نتساهل بقدر ومصيبة الظُلم. والقرآن الكريم مع أحاديث أهل بيت العصمة (ع) ينصان على عِظَم فداحة هذا السلوك "الظلم" وقبحه، وتؤدِّب المسلم على الابتعاد عنه والعمل بالعدل والإحسان، وأن لا يتجاهل الظلم الذي يحدث حواليه وأن يعمل كل ما بوسعه لرفض هذه السلوك اللاإنساني.
 
لكن، هل المطلوب هو فقط هذا الحد الأدنى من التفاعل والتعاطف مع المسلم الآخر أم المطلوب هو السعي إلى ما هو أرفع منه درجة، كرفع الظلم عن المظلوم وردع الظالم. ثلاثون عامٍ منذ انطلاق دعوة السيد الإمام الخميني (قدس سره)، وفوق الثمانين عامًا من احتلال فلسطين ولا نزال كشعوبٍ إسلامية نراوح محلنا من هذه القضية، ولا نمتلك فعليًا إلا التضامن القلبي وربما الكلامي في بعض مقالاتٍ -كهذه- أو أشعار!
 
السؤال الذي يطرح على بالي من هذه القضية وغيرها هو: هل سيتغير حالنا -من هذه القضية وغيرها- عند المكوث على هذه الحالة الدُنيا لعشر سنين، عشرين سنة، خمسين، بل مئة سنة قادمة!!! ربما حتى هذا التعاطف والتفاعل نفقده ولن نتمكن منه بعد كل هذه السنين. ألا يجدر بنا التفكير في كيفية رفع هذا الظلم عنهم ولو بعد حين! على الأقل أن نبدأ برفع الظلم عن أنفسنا ونبتعد عن دائرة الظَلَمَة من حولنا، كأن نبتعد أن نكون أحد ظالمي الأسرة، أو الأصدقاء، أو المجتمع.
 
ألا يجدر بنا أن نتعلم كيف نغيّر سلوكياتنا من رفض الظلم ونعمل حثيثًا جاهدين على تحصيل المنعة والقوة على جميع المستويات من أجل أن نستطيع فعليًا رفع ظلم المظلوم وردع الظالم المعتدي؟
 
أتصوّر أننا قادرون على ذلك متى ما خرجنا من دائرة التفكير السلبي إلى التفكير المبادر الإيجابي الذي يعمل على تشخيص الخلل ثم يقوم بوضع الخطط اللازمة لتغيير وضعه ومحيطه. نحن بحاجة إلى أن نترك التفكير الآني اللحظي والتأسيس إلى التفكير المستقبلي والعمل المستمر والمتواصل على مدى سنوات بل وأجيال. أن يكون لدينا تفكير استراتيجي ممزوج مع عمل مستمر دؤوب في وضع المستقبل المطلوب والعمل على تحقيق هذا المستقبل المشروق ولو بعد حين.
 
أن نعمل ونؤسس لثقافة العمل نحو تغيير أنفسنا وأمورنا ومحيطنا وإخراجنا من الحالة السلبية إلى الإيجابية المثمرة المبادرة المتحركة. وهذا الأمر ليس بغريب ولا بعيد المنال، فالكثير من الأفراد والجماعات والدول والأمم بدأت في تغيير واقعها بعد أن شخّصت الخلل في نفسها وعملت على تغيير مستقبلها ليصبح واقعها أفضل من ماضيها.
 
ونحن أيضًا قادرون.

لم يكن إحياء المناسبات فقط من أجل أن تتحوّل إلى احتفالات سنوية، بل إنه إحياء لروح الإنسان والأمة ووسيلة تنبيه وتذكير وانطلاقة من أجل التغيير نحو الأفضل والسير قُدمًا نحو تحقيق الأهداف السامية من وراء تلك المناسبة.
 
ز.كاظم

1 comment:

  1. قلت فصدقت، وشخصت فأصبت، فطالما صيرنا شعائرنا إلى طقوس ميتة، خاوية خالية بلا روح، بلا قيمة، الصلاة والصيام والحج والعمرة والخمس والزكاة وأمثال ذلك أصبحت مجرد طقوس جوفاء، المهم أن تؤديها أما أن تؤديها بخشوع وخضوع أو لا فليس مهما، فرحنا أو حزننا لم يعد يلامس شعورنا، نفرح في مناسبة الفرح دون أن تفرح قلوبنا أو نستشعر السعادة في نفوسنا، ونحزن في مناسبة الحزن دون أن تحزن قلوبنا أو نستشعر مرارة الحزن في نفوسنا.. وهنا المشكلة، فما لم تتغير المعادلة في نفوسنا ونرجع إلى سليم فطرتنا فلا قيمة لحياتنا، لفرحنا أو لحزننا، لضحكنا أو دموعنا، لتأييدنا أو معارضتنا؛ إذ لا يعدو الأمر أن يكون تمثيلاً في تمثيل

    ولهذا وغيره تجد إسرائيل غير مهتمة للعرب والمسلمين وغير مرعوبة من هذه الأعداد الهائلة والقبضات الممدودة والشعارات المدوية لأنها تعرف أن الأمر في أغلبه تمثيل في تمثيل، نعم تهاب المقاومة والمقاومين لأنها تدرك أن هؤلاء يقصدون ما يقولون ويفعلون ويطبقون لا مجرد تمثيل

    مقال في غاية الروعة

    ReplyDelete