Friday, July 25, 2014

سياسة العقاب الجماعي.. ليست سياستنا // إيمان الحبيشي




مقتنعون أننا شعبٌ يرزح تحت ظروف، سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية، مختلفة تمامًا عن كل الشعوب، كوننا شعب تستهدفه السلطة، وتُضيّق الخناق عليه، لنكون شعبًا ميتًا يتشبه بالأحياء، من السهل الإملاء عليه، من اليسير سرقته، وإخفائه وتاريخه عن الأنظار.

نرزح تحت ظلم يُلاحق لقمة عيشنا، فيعدّها علينا، يحسب عدد خطواتنا وأنفاسنا، ويود لو متنا جوعًا وعطشًا، لذلك وَجَدَ أن فصلنا من أعمالنا، عقابًا استحققناه على جريمة حُلْمٍ، حبلنا فيه سنوات طِوال، وكدنا نُنجبه في دوار اللؤلؤة.
 
سُمِّي الفصل العنصري من العمل، بـ(سياسة العقاب الجماعي)، لأنه لم يستثنِ المسافرين، أو المرضى، ولم يتوقف على المشاركين، بل تعداه لكل من ينتمي للمذهب، عقابًا على انتمائه، وإمعانًا في الإرهاب الذي يُمارس ضدنا، فما الذي حصل؟

كثيرون مِمَن فُصلوا من أعمالهم، وفقهم الله ليكونوا سادة أنفسهم في مشاريع صغيرة، مطبخ بيتي يوصل المأكولات حتى منازل الطالبين، صالون نسائي، كفتيريا أو مشاريع بيع الملابس والشنط والإكسسوارات، بل انتعشت سوق الأيام التي يتنقل فيها شباب بحارنة ببضائعهم كل يومٍ في منطقة، حتى صرنا نُلاحقهم في القرى التي يتمركزون فيها.
 
قد يجد كثيرون أن تلك الأسواق مجرد عملية بيع وشراء، يقضي خلالها البائع والمشتري حاجة، لكني أجدها بداية مشروع لا بُدّ أن نحلم بتحقيقه، وهو أن نكون وحدة واحدة، تعيش حالة الاستغناء عن السلطة التي لطالما أذلّتنا بسبب لقمة العيش، وهي لا تتعدى كونها (فتات)، سعدتُ كثيرًا بدرجات التفاعل في هذه الأسواق، أبناء جلدتنا يبيعونا ونشتري منهم، لسنا بحاجة لاختيار لغة أخرى للتفاهم، ولا نضيع كثيرًا لنحصل على مبتغانا من معروضاتٍ تُناسب ذوقنا وحاجتنا بحسب المناسبة التي نتسوق لها، لكني تألمتُ كثيرًا حين وجدتُ أن هناك من يَنظر لتلك الأسواق على اعتبارها (مجرد إزعاج) في قرية أو أخرى، وأن من حق فرد أو مجموعة صارت ترفض وجود تلك الأسواق ليوم واحد في قريتها أن تطرد مئات الباعة في لحظة!

علمّتُ أنه في إحدى قرى البحرين، قام رجلٌ أو مجموعة شباب، بطرد مئات الباعة من قريتهم بدعوى أن مشادة أو تطاول صار بين بائع وقاطن أدى ليُطرَد الجميع!!

ضمن سياسة عقاب جماعي مزعجة لا بُدّ من تداركها.

حاولتُ أن أفهم موضوع طرد الباعة، وتناهت لمسامعي عددٌ من القصص خلاصتها أن وجود هذا العدد الكبير من الباعة، يتسبب باختناقات مرورية، وأحيانًا تجاوزات يرفضها البعض. قرية مجاورة للقرية التي طَرَدت الباعة أعلنت استعدادها لاستقبالهم، إلا أن المفارقة كانت واضحة ضمن تسجيل فيديو لرجل مُسّنٍ كان يصرخ في الباعة، ابتعدوا عن الطريق وإلا فسيكون مصيركم هنا كما مصيركم هناك!!
 
شعرتُ بالذل الذي لا بُدّ أن مئات من أبنائنا الواقفين هناك يسترزقون الله قد استشعروه!
من الطبيعي أن تُوجد مجموعة من الأخطاء، ضمن عملية عشوائية أوجدتها الحاجة فجأة. هؤلاء الشباب ليسوا غرباء، ولسنا ببعيدين عن تلمس أوضاعهم التي أجبرتهم على خوض هذه التجربة، وحريٌّ بنا أن نقف وراءهم، وأن نُقدّمهم للإستعانة بما يقدموه من خدمات، فالأقربون أولى بالمعروف.

أتفهم أسباب انزعاج البعض، لكن لا يعني ذلك أن من حقنا قذف عشرات الأسر في رزقها، بل يعني ذلك أن نتحسس أسباب انزعاج البعض لإيجاد حلول بديلة، تدعم هؤلاء الشباب وتسهل عمليات التعامل معهم، ولا بُدّ من الباعة أن يُقدّروا إفساح المجال لهم من قبل تلك القرى لاستضافتهم، فيحترمون أخلاقياتها ويتنبهون لحاجاتها، ويبادرون لإصلاح كل ما يمكن إصلاحه مع أهلها.

قد تكون هذه الأسواق (تدريبات) مهمة، نخوضها اليوم فإن نجحنا باجتيازها، كانت السبيل لإنجاح مشاريع أشمل وأكثر أهمية، تُقدِّمُنا خطوات للأمام قد تشكرنا عليها الأجيال القادمة.

25 يوليه 2014

1 comment:

  1. مقال جميل، وأجمل منه محاولته الإنسانية بلسان الإنسانية لحل مشكلة إنسانية، لحل مشكلة الأسواق المتنقلة مع بعض أهالي القرى، ومحاولة الارتقاء بهذه الأسواق إلى درجة الإكتفاء الذاتي والاستغناء عن الحكومة وأسواقها، وهذا ممكن إذا أحسن البائع والمشتري، والمضيف - بضم الميم وتشديد الياء - والمضيف - بفتح الياء - التعامل وسعوا جميعاً للارتقاء بهذه الأسواق إلى الهدف المنشود

    كذلك التذكير بأن العقاب يجب أن يشمل المذنب وحده ولا يطال غيره هذا فيما إذا ثبت الذنب، قال تعالى: (( ولا تزر وزارة وزر أخرى ))، أما سياسة العقاب الجماعي فهي لا تمت إلى الإسلام ولا إلى مبادئه وقيمه ولا إلى الأخلاق الحميدة بأية صلة، ثم لماذا ننكر على السلطة جورها في سوء تعاملها مع الموظفين والعمال حينما عاقبتهم جميعا بما تأخذه على بعضهم عقابا جماعياً ونرتضيه إلى الباعة الفقراء؟ أليس هذا من الازدواجية الظالمة، والكيل بمكيالين

    وأملي أن يكون لهذا المقال وصاحبته الفاضلة ولنا ولعقلاء الأمة نصيب في رفع مظالم هذه الأمة والدفاع عن الحق وأهله

    ReplyDelete