Friday, July 18, 2014

أنت فتّان // أم حسين



مؤلمٌ أن يتخلى أحدهم عنك، ومؤلمٌ أن تفقد جزءًا من حياتك كنت قد سخّرت له كل إمكانياتك لتراه يكبر وينمو أمام عينيك، كل ذلك مؤلمٌ ولكن ما يدمي القلب أن  يكون السبب في كل ما حدث إنسان.
 
أتعجب وأقف لأفكر كثيرًا عند ذلك الإنسان.. ترى لماذا لا تكتمل راحته إلا بضياع راحة شخص آخر! بل وكيف يبني حياته على أنقاض حياة أخرى بعد أن يهدمها!
 
إذ ليس من الطبيعي أن يؤلمك إنسانٌ شعر بوجع الألم، ويؤذيك بشتى الأساليب ويلاحقك حتى يوجه لك ضربةً قاضيةً بيد أخرى اختارها كأداة ينهي بها ما بدأ به.
 
أنها الفتنة وما أدراك ما الفتنة!!؟

حين تسيطر على الإنسان تجعله يتجول باحثًا عن حياة سعيدة ليعكر صفوها وعن قلوب صافية مطمئنة ليقلقها وعن عقول متزنة ليُفقدها اتزانها.

نعم فالفتنة تنخر في جسد مجتمعاتنا كما ينخر الدود في الحطب فيجعله هشًا، هدامة للبيوت مفككة للعلاقات، نارٌ تأكل الأخضر واليابس وما تخلف ورائها سوى الدمار.

يمارس الفتّان سلوكه الخاطئ بعدة أساليب لزرع الاضطراب والبلبلة في أفكار شخص آخر أو جماعة ما، يمتلك سلاحين لسانه الناطق بالحيل التي ولدت من أفكار نابعة من العقل الخادم لنفسه المريضة

لا تعجب أن قلت عنه (فنّان)!!

فهو يتم عمله بإتقان كلما كانت أمراضه النفسية عميقة، وحين تستحكم الأمراض من نفسه ترحل روحه الإنسانية عن جسده حاملة معها كل الخير ليبقى خيال الإنسانية ليستوطنه الشر.

 
شخصية تفاصيلها معقدة، خصالها متشابكة، فالفتّان يحتاج أن يكون كاذب، نمام، مراوغ، خداع، استغلالي وغيرها الكثير من الخصال السيئة ليتقن عمله. ولنفهم ما يدور في داخل تلك النفس علينا أولًا معرفة كيف تكوَّنَ ذلك السلوك.

السلوك عبارة عن خليط من جينات وثقافة ولدت أفكار جسدت على شكل سلوك، إذًا فهناك دوافع نفسية واجتماعية جسدت سلوك الفتنة!!؟

تبدأ الفتنة عند الإنسان من سن السنتين إلى ثلاثة سنوات وغالبًا تنتهي عند هذه المرحلة، ولكنها أحيانًا تستمر مع الإنسان إلى أن يصبح بالغًا في حال لم يتم التعامل معها بطريقة صحيحة.

يذكر الدكتور فارن والفيش (الطبيب النفسي للأطفال والبالغين) بعض النقاط المفيدة في كيفية التعامل الصحيح مع سلوك الفتنة عندما يبدأ عن الأطفال للحد من تطور الحالة والحرص على انتهائها في وقتها الطبيعي، فيقول:

1) الأطفال في بعض الأحيان يلجئون للفتنة كوسيلة للتعبير عن قلقهم ومشاكلهم، وكل ما يريدونه منا أن نستمع إليهم ونعرف مشاكلهم وما يقلقهم ولا نفعل شيئًا.
 
2) الأطفال الصغار لا يفتنون رغبة في أذى الآخرين، أو أن يوقعوا الآخرين في مشاكل، لكنهم يفعلوا ذلك لأن إحساسهم بالصواب والخطأ لا زال يتطور، ففتنتهم في تلك الحالة ما هي إلا تساؤل وتأكيد على أن القواعد التي تعلموها صحيحة، ويشعرون بالارتياح حيال أن من فعل عكس القواعد سيكون مسئولًا عن فعلته.
 
3) عندما يأتي إليك طفلك شاكيًا صديقه أنه لا يشاركه اللعب، فهو لا يطلب منك التدخل، لكنه يريد منك أن تعلمه كيف يتعامل مع تلك المواقف، وذلك أمرٌ من المهم أن يتعلمه لحياته فيما بعد، لا تتدخل لحل المشكلة بل اسأله «ماذا عليه أن يفعل في هذه الحالة؟». استمع له وحاول أن تجد معه حلولًا للمشكلة.
 
4) إذا كانت فتنة طفلك عن أمور لا تؤثر عليه، مثل أن زميله يضرب الأطفال الآخرين، أو أن زميلته لا تأكل خضرواتها، إذن فطفلك يريد فقط أن يخبرك بأنه لا يقوم بضرب أحد وأنه يأكل خضرواته، كل ما يحتاجه الطفل في هذه الحالة هو أن تمدحه لأنه اتبع التعليمات، فقم بذلك.
 
5) علِّم طفلك الفرق بين «الإخبار» و«الفتنة»، فالإخبار هو أن يقول لك أمرًا يسبب أو سيسبب أذى لطفلٍ أو شخصٍ ما، علِّمه أنه في تلك الحالة يجب أن يقول مثل تلك الأشياء وذلك لا يكون «فتنة»، علِّمه أن الفتنة هي أن تحكي شيئًا أن يسبب أذى.
 
التعامل مع المواقف السابقة بكيفية معاكسة تجعل الفتنة تلازم الطفل إلى أن يكبر وتتطور لتصبح غيرة مفرطة ناتجة من شعور شديد بالنقص والعجز وعدم الثقة بالنفس، وعندما تكون إنجازات الشخص في الحياة أقل من طموحاته يزيد شعوره بالعجز، فيكون أكثر عرضة لتطور سلوك الفتنة لديه.

تكبر دائرة الأضرار الناتجة من الفتنة القائمة بين العلاقات لتشمل أشخاصًا ﻻ ذنب لهم سوى أنهم تواجدوا في ذلك المحيط، ويتحمل جزء من الذنب من فتح الأذان لينطلق اللسان لبث سمومه، هو فتان لا خلاف في ذلك ولكن أنت كمتضرر من فتحتَ له باب عقلك ليقلقه ويجعله مضطربًا وليهز كيانك كله، فإن فقدت راحتك فأنت من فرطّتَ فيها ولم يسلبها أحد منك.

يقول الباحث برنارد ملزر
"قبل ان تتحدث اسأل نفسك إذا كان ما ستقوله صحيحًا وحانيًا وضروريًا ومفيدًا فإن لم يكن كذلك فيجب أن ﻻ يُقال"

وهناك من قال:
العقول ثلاثة أنواع، عقول راقية تتكلم في الأفكار، عقول متوسطة تتكلم في الأحداث، عقول صغيرة تتحدث في الناس.

 
فلنرتقي بعقولنا.. ونختار ما نسمع قبل أن نختار ما سنقول.


15 يوليه 2014

1 comment:

  1. عمق.. دقة..
    موضوع عملي من الطراز الأول، ويحتاج من الكتابة الفاضلة أن تتبعه بمقالات أخرى..
    دام قلمك بهدي من الله سبحانه وتعالى..

    ReplyDelete