Thursday, July 31, 2014

الشيعةُ.. رِيَادَةٌ وانتِصَارٌ // محمد علي العلوي

 
 
 
لِمَنْ الأسبقية العلمية؟ هل للشيعة أم لغيرهم؟
 
سؤالٌ مزعِجٌ جدًّا.
 
نقرأ في بعض مقدمات الكتب العلمية للشيعة، وخصوصًا كتب أصول الفقه وعلمي الرجال والدراية محاولات لإثبات أسبقية الشيعة في التنظير والعمل العلمي في مثل هذه العلوم، مع اجتهادات لدحض مزاعم أسبقية الفرق الأخرى، الواقع -في نظري- إن مثل هذا الطرح فيه الكثير من الظلم والإجحاف في حق الشيعة الإمامية الذين أعُدُّهم أسطورةَ البقاء بلا منازع.
 
أطرح ههنا أمرين:
 
الأول: إذا كان الآخرون قد احتاجوا باكرًا إلى ما يؤهلهم لفهم النصوص الشرعية والمحافظة عليها وصيانتها، فهذا بسبب انحباسهم الاختياري عن القيادة السماوية المعصومة مع انتقال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) إلى ربِّه في السنة الحادية عشر من هجرته الشريفة، مما اضطرهم إلى فتح أبواب الاجتهاد تمامًا أمام مجموعة حصرت في مصاديق معينة لمفهوم معين لسنا بصدده الآن، ثم إنهم ذهبوا إلى إغلاق تلك الأبواب تمامًا كما فتحوها تمامًا، فلا عجب أن تكون لهم الأسبقية في جمع بعض المسائل وتدوينها علومًا، وبالنظر إلى ما عليه الشيعة تكون أسبقية القوم مثلبة لا فضيلة!
 
إنه وبينما احتاج الآخرون باكرًا لبعض العلوم التي تؤهلهم لفهم النصوص الشرعية وحفظها وصيانتها، كان الشيعة في نعيم المُؤَمِّنِ من كل ذلك إلى وقت وفاة السفير المهدوي الرابع علي بن محمد السمري (رضوان الله تعالى عليه) في الثلث الأول من القرن الرابع الهجري (٣٢٩ هجرية)، ولذلك فإنَّ تأخر الشيعة في جمع وتدوين المسائل الأصولية والرجالية والدرائية إنما هو دليل على رسوخهم العلمي في ظل الإمامة المقدسة لأهل البيت (عليهم السلام)، ومن الظلم والإجحاف مقارنتهم بغيرهم.
 
ومع ذلك، فإنَّ الأئمة المعصومين (عليهم السلام) لم يتركوا التأصيل لمثل العلوم المشار إليها، بل كان أنهم وضعوا الموازين وحدَّدُوا المعايير، وعلى هذا ثبت أصحابهم الأجلاء (رضوان الله تعالى عليهم)، ولم يَحْتَج الشيعة إلى الجمع والتدوين العلميين إلا في قرون متأخرة بدأت من بعد الغيبة الكبرى وبرزت من القرن الخامس الهجري.
 
الثاني: قد يلاحظ المتتبع تقدُّمًا في الحبك والسبك عند الآخرين على الشيعة الإمامية في العلوم المشار إليها تحديدًا، وهذا أيضًا ليس لتقدُّم علمي أو علو كعب كما يتصور البعض، ولكن الواقع إنَّ الحركة العلمية كانت متاحة تمامًا للجميع ما عدا شيعة أهل البيت (عليهم السلام) الذين كانوا يضطرون إلى إخفاء اسم الإمام المعصوم (عليه السلام) عند نقلهم لرواية عنه، فيقولون: قال العالم، أو: قال العبد الصالح! وهذا لأن عِلْمَ السلطة آنذاك باتصال أحد الشيعة بالإمام المعصوم (عليه السلام) يكفي مبررًا لإعدامه!
 
ومما يجدر الإشارة إليه إنَّ المؤمنين كانوا على حذر من التصريح ب(حدَّثنا) عند نقلهم الأحاديث المعصومة عن بعضهم البعض، فيقولون (عن) لتوسيع دائرة النقل وتجنب حصرها في الالتقاء المباشر الذي يفيده (حدَّثنا)!
 
إنَّ لهذا الاستهداف الذي يتعرض له الشيعة الإمامية اليوم تاريخ يمتَّدُ إلى ما قبل قول الرجل عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "إنَّ الرجل ليهجر" أو "لقد غلبه الوجع"، واستمرَّ في مَنْعِهِ تدوين الحديث، ثُمَّ سن النافلة جماعةً في شهر رمضان لتجنب تذاكر المسلمين فضائل علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ثُمَّ نفي الغفاري إلى الربذة خوفًا من عطائه العلمي وريادته الرسالية.
 
كلها محاولات ممنهجة لضرب الحاضرة العلمية الشيعية أينما وكيفما كانت.
 
ألا تتذكرون قبل عقود قريبة إنَّ السجن كان جزاءًا محتومًا لمن يجدون عنده صورةً للإمام الخميني (قدس سره)؟
 
إنَّني أتسائل، وحق لي أن أتسائل وغيري..
 
كيف لهذا المذهب المُستَهدف رسميًا منذ الصدر الأول أن يبقى ويستمر، بل ويمتد ويتوسع مع كل هذا القمع والتضييق والذبح والتقتيل والرعب والتخويف؟
 
ثُمَّ يأتي من يقارن الشيعة الإمامية بغيرهم ممن أُسنِدُوا مباشرة بأذرع السلطات وأنظمة الحكم فكانوا منها وإليها كأولئك الذين نعرفهم جيدًا بمواقفهم وفتاواهم الملتزمة تمامًا بمقاس الأذرع الساندة لهم!
 
كلمة في الختام:
لا ينبغي لنا التفاعل بهذا الشكل الدارج مع ما يقول عنَّا الآخرون، فما ينبغي لنا هو أن نعمل وفق موازيننا الخاصة ومع مراعاة شديدة للظروف السياسية القاسية جدًا، بل والشرسة البشعة في قساوتها ضد الشيعة والتشيع، وربما يسجل المتتبع بعض التأثر السلبي الذي أشير له في المقام، وهذا ما نحتاج أن نَتَخَلَّصَ منه.
 
هل تتصورون  المُؤمِنَ يَعْتَصِرُ عُنُقَهُ حبلُ المشنقة ظلمًا وهو لا يأبه به ويبقى مردِّدًا لا إله إلا الله؟
 
هكذا كان علماؤنا الأولون يطلقون إبداعاتهم سِرًّا وعلانية غير مكترثين بسيوف الظلم وخناجر الجور وهي تُغْرَزُ في أنحائهم.
إنما الريادة للشيعة، ولم يبرح الانتصار سوحهم وما غادر ميادينهم.
 
(وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ).

2 comments:

  1. كيف لهذا المذهب المُستَهدف رسميًا منذ الصدر الأول أن يبقى ويستمر، بل ويمتد ويتوسع مع كل هذا القمع والتضييق والذبح والتقتيل والرعب والتخويف؟


    هي من جوانب الاعجاز والابداع والاصرار

    يا ليتنا كنا مثل اسلافنا اصرارا وتأدبا


    بوركت

    ReplyDelete
  2. نعم.. بعض الإخوة يتعاملون مع المبادئ والقيم بل ومع التكاليف والشعائر الدينية بمنظار المذاهب الآخرى بل ينحدرون في ذلك إلى أن يجعلوا الأجنبي الفاقد لكل ميزان عدل أو قيمة حق أو مبدأ صدق ميزانا يقيمون من خلاله أفعالهم وأقوالهم، بل جعلوه ميزانا للحق والباطل وما يجوز وما لا يجوز.. ولا شك أن مثل هذا التنازل والانحدار مرفوض لأنه لا يخضع لموازين عقل ولا مذهب حق

    مقال جميل

    ReplyDelete