Friday, July 25, 2014

لماذا لا تبايعون أبا بكر البغدادي؟ // محمد علي العلوي






بعد الإعلان الرسمي للتنظيم، أعلن عبدُ الله إبراهيم، المعروف بأبي بكر البغدادي نفسه خليفة للدولة الإسلامية، وذلك في خطبة الجمعة (4 يوليو/ تموز 2014م – 6 رمضان 1435هـ) التي ألقاها من على منبر الجامع الكبير في الموصل – العراق.

رجل متدين يلتزم السنة النبوية فضلًا عن جهاده وتحمله المشاق في سبيل إقامة حكم الله سبحانه وتعالى، وها هو يقف مع أخوانه في وجه الكفر والاستكبار بكل شجاعة وإقدام، فلِمَ لا يَقُرُّ له المسلمون بالبيعة ويتخذونه خليفة تعود على يديه أمجاد الأمة الإسلامية؟

يذهب المسلمون إلى وجوب نصب خليفة يقوم فيهم بأمر الله تعالى، وانقسموا بعد ذلك في التفاصيل، وعلى رأسها الجهة المخولة بالتنصيب، فذهب الشيعة إلى أن الخليفة إنما هو خليفة لله عز وجل وبالتالي فتنصيبه لا يمكن إلا أن يكون عن جهةِ معصومة، فإما الله تعالى وإلا فخليفته المباشر كالنبي.
أما السنة فاتفقوا على أن حَقَّ التنصيب بعد النبي (صلى الله عليه وآله) موكل إلى أهل الحل والعقد، واشترطوا فيهم العدالة والعلم والحكمة وأن يكونوا محلَّ ثقة الأمة، وتنعقد البيعة للإمام بأي عدد منهم.
ثم إنهم اشترطوا في الخليفة أن يكون مسلمًا بالغًا عاقلًا حرًّا عالمًا عادلًا، كما واشترطوا الذكورة والحصافة والصلابة، وكذلك سلامة البدن والزهد، وأن يكون قرشيًا..
عندما يقف أحَدُ المسلمين اليوم لتطبيق الموازين على أبي بكر البغدادي، فإن الخطوةَ مردودةٌ بخلافات امتدت من بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى سقوط آخر الدول (الإسلامية)، وقد سُلِّمَ لها جميعًا، ولم يُفَرَّق بينها وبين خلافة الأربعة الأول إلا بكلمة (الرشد) فهم إذا قالوا: الخلافة الراشدة، كان القصد خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، هذا والحال أنهم أجروا ملزماتها في خلافة الوراثة التي بدأت بيزيد بن معاوية.. ولم تنتهي بعد..

فالسؤال الآن:
لماذا لا يقبل المسلمون بخلافة (أبي بكر البغدادي)؟
وسؤال آخر:
لو أن الرجل يتمكن من الظفر بدول المنطقة ويفرض حكمه فيها، فهل ينادى به خليفة بالإجماع؟
نلاحظ أن غيره من الحكام الذين جاؤوا بالقوة لم تتوفر فيهم أيٌّ من الشروط المذكورة غير شرط (الذكورة)، ولم يمنع ذلك من تسميتهم ولاة للأمر، وبالتالي حرمة الخروج على أيٍّ منهم وإلا كان خروجًا على الإمام الخليفة ولي الأمر، وهذا ما عليه المسلمون في بلادهم بلا فرق بين نظام سياسي وآخر، سواء كان ملكيًا أو جمهوريًا.

لنفترض الأمر التالي:
لو أن المجتمعين في سقيفة بني ساعدة أقروا البيعة لعلي بن أبي طالب بدل أبي بكر، هذا وأبو بكر هو هو، وعلي هو هو، فما هو موقف المسلمين من البيعة؟
ما أقطع به أنهم يبايعون عليًا كما بايعوا أبا بكر، فالقضية إذن ليست في شخص الخليفة وأهليته في نظر المسلمين، ولكنها في التسليم للواقع مهما كان الطريق لتحققه، وهذا ما يدلل عليه الموقف العام من الحكَّام في دول المسلمين، والموقف من بيعة أبي بكر البغدادي؛ فلو أن البغدادي يسيطر على دولة فإن البيعة حينها تستقر له، لا لأنه فلان ولا لأن أهل الحل والعقد أجمعوا عليه، ولا لأي من الشروط المذكورة في مثل هذه الموارد، ولكن القضية كل القضية أنه أصبح واقعًا بالقوة، وفيما يبدو أن الرأي (الشرعي) يمشي مع الواقع المفروض، بدل أن يكون العكس!
إننا مع أبي بكر البغدادي نقف أمام ثقافتين:
الأولى: ثقافة الخلافة وإنها موكلة من الله تعالى إلى العباد، وبالتالي فالخطاب موجه إلى المسلمين بالسعي لإقامة أمر الله تعالى من خلال الخلافة الشرعية، وهذا ما يبرر حركة البغدادي ومن معه، فالقضية بهذا اللحاظ عقائدية ولا أرى مسوغًا لرفضها، وأما قضية الذبح وقطع الرؤوس، فهذا كله يستند إلى أدلة شرعية يقوم على أمرها الخليفة، ومنها قوله تعالى (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ).

ومن هنا، فلا يمكن اتهام البغدادي ومن معه بالإرهاب أو التطرف أو ما شابه، فهم في الواقع جماعة مؤمنة تمشي في جهادها وفقًا للرؤية القرآنية، وبشجاعة قلَّ نظيرها.
الثانية: ثقافة التشريع بحسب الواقع الخارجي، وهذا ما عليه الشعوب وأكابر العلماء، فالبيعة عندهم تامة ثبوتًا لمن يتمكن من كرسي الحكم، ولا يبقى غير إثباتها بالبيعة، ولذلك فإن عالم الدين الذي بارك الرئيس فلان، فهو نفسه يبارك من خلعه، وكلهم ولاة أمر بهوية كرسي الحكم!
يبدو لي إن الغلبة للثقافة الثانية، وإذا أراد أبو بكر البغدادي مباركة الشعوب المسلمة بعلمائها فعليه أولًا التمكن من تقويض أنظمتها السياسية لمصلحة دولة الخلافة، وإذا ما تَمَّ له ذلك تمت له البيعة؛ لأنه قد أصبح واقعًا، والشرع –بحسب هذه الرؤية- يقوم على الواقع المتحقق فعلًا في الخارج.
الظاهر أن الشيعة آمِنُون من الوقوع في مغبة هذه التضاد الصريح، فهم قد حسموا أمر الخلافة وحصروها في أسماء معينة، ومع غياب أحدها فإنها عامة في الفقهاء، وأما الأنظمة السياسية فالمطلوب أن تكون تحت عناية الفقيه وإشرافه، وإلا فامشي بدائك ما مشي بك، ولذلك لا بيعة في عنق الشيعي لغير من حُصِرَ الأمرُ فيهم، ومن شأن هذه الحقيقة الانتهاء بنا إلى نتيجة مهمة جدًّا، مُفادها أن خوف الأنظمة الحاكمة من خروج السنة عليها من المفترض أن يكون أضعاف خوفها من الشيعة!
وها هي قوات (داعش) على حدود شبه الجزيرة العربية قاصدة نظام الحكم، وهكذا تتحدث عن دولة قطر وغيرها.
 
19 يوليه 2014

1 comment:

  1. جميلة جداً هذه الإلتفاتة منكم سيدنا، والأجمل منها هو ربطها بموضوع الإمامة والخلافة؛، والأجمل والأجمل بيان الفارق من خلالها بين المدرستين الشيعية والسنية، فإذا رفضت الإمامية مبايعة المذكور فلا إشكال ولا تعارض بين رفضها واعتقادها بأن الخلافة لا تكون إلا بالنص بخلاف المدرسة السنية التي آمنت بأن الخلافة تكون بالشورى وتنعقد ولو ببيعة الواحد من أهل الحل والعقد بل ولو أذعن له أهل الحل والعقد تحت التهديد بحد السيف، وعلى هذا قال الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ مفتي المملكة السعودية بأن بيعة يزيد بن معاوية التي أخذت بالخديعة وحد السيف بيعة شرعية، وعليه فإن كانت بيعة يزيد بيعة شرعية فإن بيعة البغدادي تكون شرعية، وإن كانت بيعة البغدادي باطلة وغير شرعية فيلزم أن تكون بيعة يزيد كذلك باطلة وغير شرعية، ولا معنى أن تكون بيعة يزيد شرعية وبيعة البغدادي غير شرعية ما دامت مباني الخلافة في الخلافتين واحداً.

    ReplyDelete