Friday, July 25, 2014

مؤهلاتك الإيمانية // مَحمود سَهْلان

 
 
عندما تبحث عنْ وظيفةٍ ما، فإنَّك تُعد سيرتك الذاتية وتُرفق معها بعضَ الأوراق المهمة وصورتك الشخصية، وتَسرد مؤهلاتِكَ العلمية والعملية، لأنَّ أصحاب الأعمالِ يريدونَ موظفًا مؤهلًا للوظيفة أو المنصب والفراغ المراد سده، وكذلكَ المناصب التِي تُوزِعُها الحكومات فإنَّهَا تنظرُ لسيرتِكَ الذاتيةِ ومؤهلاتك، لأنَّها تُريدُ أنْ تسدَ الفراغَ بشخصٍ مؤهلٍ، بغضِ النظرِ عمَّا يجري في بعضِ البلدان..
 
أمَّا بالنسبةِ للدرجاتِ الربانيةِ، هل نحتاجُ إلى مؤهلات؟ ومَا هِيَ؟

أقولُ أنَّنا نحتاجُ لها بكل تأكيد، فلَّنْ تحصلَ على درجةٍ مَا جزافًا، كأنْ يقالَ لك سيد المتقين، بينما أنت غارقٌ في الحرام، فمع حصولِك على هذا اللقب أو غيره، لنْ تَتَغيرَ الحقيقة، لأنَّ الله جلَّ جلَالُه ومنْ اصطفَاهُم فقط يستطيعون معرفةَ حقيقتك، علاوةً على معرفَتِك بنفسك فـ (بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) (القيامة:14 – 15)، تدلُ على ذلك.
 
الآنَ فلنتقدَّمْ في حديثِنَا خطوةً للأمام، ولنبين بعض النُكات المهمة من الحديث التالي، والذي تُعد مضامينه من أهمِ علامات ومؤهلات الإنسان للحصول على لقب (مؤمن)، حيث وردَ عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام أنَّه قالَ: (علاماتُ المؤمنِ خمس: صلاةُ إحدَى وخمسين، وزيارةُ الأربعين، والتختّم باليمين، وتعفيرُ الجبين، والجهرُ ببسم الله الرَّحمن الرَّحيم):
 
1- صلاةُ إحدَى وخمسين: وقدْ بدأَ الإمام بِهَا، مِمَّا يؤكدُ أهميتَهَا وفضلَهَا، وهي تشملُ الفرائضَ الخمسَ الواجبةَ، والنوافلَ، فإنَّ عددَ الركعاتِ الواجبةِ هو سبعةَ عشر ركعة يوميًا، وعدد الركعاتِ المستحبةِ هوَ أربعٌ وثلاثون ركعة، شاملةً صلاةَ الليلِ، وأُلفتُ نظرَ القارئ الكريم لأهميةِ أداءِ الصلاةِ بالمسجدِ، وأهميةِ أدائِها جماعة.

2- زيارةُ الأربعين: وهي العلامةُ الأخرى من العلامات، ومنْ خِلال اعتبارها علامة تبيَّنَ مدى أهمية هذهِ الزيارة، حيث جُعلت علامة للإيمان، وغير خافٍ عليك ما جرى في التاريخ وما يجري اليومَ على زوارِ أبي عبدِ الله الحسين عليه السَّلام، منْ أموالٍ تُسرق أو أعضاءٍ تُقطَّع أو أرواحٍ تُزهق، ومع ذلكَ ظلَّ أئِمتنا عليهم السلام يأمرُونَنَا بهذهِ الزيارةِ العظيمةِ، وأنتَ تَرَى بأُم عينك اليومَ ما يجري بالأربعين في كربلاء.

3- التختّم باليمين: وهيَ سنةٌ نبويةٌ اقْتَفَى أثرَها أهلُ البيت عليهم السلام، ومع مخالفةِ الأمراء وأصحابِ المطامِعِ الدنيويةِ بَاتَتْ هذهِ العلامة أكثر وضوحًا، فالمؤمن يتختم باليمين كما هي سُنةُ محمدٍ (ص) بينما يتختم غيره بشماله ويدَّعِي أنَّها السنة!

4- تعفيرُ الجبين: وهوَ السجودُ على الأرضِ أو ما أنبتتْ مِمَّا وردَ الأمرُ بالسجودِ عليه دونَ سِواه، وقد نترقَّى قليلًا لنلمسَ نوع استحباب لإِطَالِة السجودِ، فهوَ إطالةٌ لتعفيرِ الجبين بينَ يدي رحمة الله تعالى.

5- الجهرُ ببسمِ الله الرحمنِ الرحيمِ: ووردَ في فضلِ ذلكَ الكثير منَ الرواياتِ، والتي كانتْ تؤكدُ علَى أنَّ رسولَ الله (ص) كانَ يجهرُ بالبسملة، وكذلك اقْتدَى بِهِ أهلُ البيت عليهم أفضلُ الصلاة وأزكَى السلام، وأنقلُ لك ما يلي عن الفخرِ الرازِّي ـ وهوَ أحدُ علماء العامة ـ في تفسيرِهِ للقرآن، وذلكَ عندمَا يصلُ لآية بسم الله الرحمن الرحيم، حيث يقول: (أنَّ عليًا (ع) جهرَ بالبسملةِ.. ومن اتَّخَذَهُ إمامًا لدنياه وآخرته؛ فقدْ فازَ).
 
هذه العلاماتُ الرئيسية الخمس وما قدْ يضافُ إليها منْ علامات، ليسَتْ هيَ إلا نفسها المؤهلات المطلوبة للمؤمن، وعلى أقلِ تقدير فهِيَ العلاماتُ التِي يُمكنُ أنْ يتعرَّفَ الناسُ على المؤمن ـ ولو ظاهريًا ـ من خلالِهَا، ولوْ أردنا طرح بعض المصاديق لَّمَا تَمكَّنَا من تجاوزِ أبي ذر الغفاري أو سلمانَ المحمدي، وهُمَا مَنْ نَالَا مَا لمْ يَنلهُ غيرهما منْ أصحابِ رسولِ الله (ص) من الاطراءِ والمدحِ على لسانِهِ (ص)، فسلمانُ مِنَّا أهل البيت، وأبو ذر هوَ منْ قالَ فيهِ رسولُ الله (ص): (مَا أظَلّتِ الخَضْراءُ ولا أقَلّتِ الغَبْراءُ على ذي لَهْجَةٍ أصدق من أبي ذرّ، مَن سرّه أنْ ينظر إلى تواضعِ عيسى بن مريم فَلْيَنْظُرْ إلى أبي ذرّ).
 
الآنَ اكتملت الصورة، والباقي هو ما تَتَحملُ مسؤوليتَهُ بِنفسكَ، فمِنَ الجيدِ أنْ يعملَ الإنسانُ علَى تحصيلِ هذهِ المؤهلاتِ، وتحقيقِ هذهِ العلاماتِ، ويقتدِي في طريقِهِ بمَنْ هُوَ أهلٌ لذلك.
 
25 رمضان 1435 هـ

1 comment:

  1. جميل جداً أن تقربوا المؤهلات الدينية التي يحتاجها الإنسان في مشوار تكامله في الحياة الدنيا بما يضمن السعادة له في مستقبله الأخروي بمؤهلات شخصيته للوظيفة، فكثير يهتم الإنسان للدنيا والمنصب الذي يناله فيها وغالباً ما يتغافل عن الآخرة، قال تعالى: ))يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون((.. جعلنا الله وإياكم من المؤمنين العاملين.

    ReplyDelete