ونحن نتمشى بين أروقة الفندق في المؤتمر الإسلامي، جاءنا أحد الإخوة المنظّمين وخاطب رئيس المؤتمر قائلًا أن اثنين من الحضور تطاولا على زوجة الشيخ فلان.. وفلان شيخ معمم أمريكي من السود.. التفت إلينا رئيس المؤتمر وطلب منا أن نتعامل مع الموضوع، أنا وزميل لي لبناني.. قلنا حسنًا وتوجهنا مسرعين إلى موقع الحدث، وفي طريقنا كنّا نستمع إلى الشاب المنظِّم (وكان لبنانيًا) يسرد أحداث الموقف.. وصلنا الى موقع الحدث وقد أخذ الغضب مأخذه بسبب ما سرده الأخ المنظّم.. أشار المنظّم بيده إلى أحد الشباب العراقيين قائلًا هذا أحدهم.. ذهبنا له أنا وزميلي وسألناه عن الشخص الآخر المرافق له والذي كما يبدو صاحب المشاجرة مع زوجة الشيخ.. فقال إنه موجود في مكان ما، فطلبنا منه أن يخبره أننا نريد أن نتحدث معه.. بعد دقائق جاء الشاب وذهبنا الى زاوية من زوايا المؤتمر وجلسنا نتناول الحديث..
ابتدأ زميلي بالحديث معهما وقد كان على درجة بسيطة من الانفعال، فسألهما عن تسجيلهما في المؤتمر، فقالا أنهما لم يكونا مسجلين في المؤتمر.. لم تكن هذه البداية جيدة.. فالمفترض أن كل الحضور في المؤتمر مسجلين لدى إدارة المؤتمر.. قام زميلي بتوجيه الأسئلة لهما بشدة وبنبرة ترتفع تدريجيًا لمعرفة تفاصيل الحدث.. وكلما أجابا بإجابة ما، ازدادت حدية زميلي.. وقد لازم هذه الحدية ارتفاع في نبرة الصوت مما دعا بأحد الشابين أن يطلب من زميلي عدم رفع صوته.. هنا أوقفت زميلي، وطلبت منه أن يهدأ.. وقمت بطرح الأسئلة للشابين لأعرف تفاصيل الحادثة.. من خلال إجاباتهما عرفت أن في الأمر سوء تفاهم نابع من اختلاف ثقافات وعدم فهم لخصوصية ثقافة إزاء ثقافة أخرى..
الحادثة هي أن الشاب العراقي كان يريد أن يسحب بعض النقود من الآلة البنكية في الفندق، ولكنها لم تعمل.. وبينما كان هو وصاحبه جالسين بالقرب من هذه الآلة، جاءت زوجة الشيخ وأرادت أيضًا سحب بعض الأموال. فقام العراقي بالتوضيح لها أن الآلة لا تعمل.. فتقبلت زوجة الشيخ الأمر بكل أريحية ودار بعض الحديث بين زوجة الشيخ والعراقي الشاب، إلى أن قال الشاب مازحًا كلمة "أن هذه الآلة لا تعطي أموالًا إلا أموال الفوود ستامبس (Food Stamps)".. هنا ثارت ثورة زوجة الشيخ وبدأت في توبيخ الشاب وأن يحترم نفسه ويلتزم حدود الأدب. مذ أن سَمِع زميلي هذا المقطع من الكلام فطِن لفداحة كلمة العراقي، وثارت فورته وقام بتوجيه الكلام الحاد للشاب العراقي.. مرة أخرى طلبت من زميلي الهدوء..
بالنسبة للكلمة التي قالها العراقي ولم يكن أصلًا يستشعر خلفيتها الثقافية أن هذه الكلمة –فوود ستامبس- هي مبالغ تدفعها الدولة للفقراء والمحتاجين من شرائح المجتمع، وبسبب حالة الفقر التي يعيشها السود، فإذا ما وُجهت هذه الكملة للأمريكي الأسود فإن فيها تحقير وإهانة له، إذ أنها تعني أنك أيها الأسود من الفئة المحتقرة الفقيرة في هذا المجتمع، وأيضًا يُنظر إلى هذه الفئة أنها عالة على المجتمع خصوصًا من دافعي الضرائب، إذ أن نسبة من الضرائب تذهب للفئات المحتاجة في المجتمع.. وبما أن الصراع العنصري بين الأمريكي الأبيض والأسود صراع يمتد لأربعة قرون فإن لبعض الكلمات معاني خاصة لها تاريخها الممتد على طول هذه القرون.. فكلمة بوي "ولد" للأسود فيها مهانة واحتقار للأسود إذ كان البيض -في الماضي- يخاطبون بها السود حتى لو كان الأسود شيخًا عجوزًا في دلالة واضحة على التحقير من شأن الأسود.
في حين أن العراقي والكثير منهم عندما جاؤوا إلى أمريكا بعد حرب الخليج الأولى، كانوا يتقاضون هذه الأموال ويتعاملون معها ولا تشكل أي حساسية لديهم، فهي بالخلاف بالنسبة لطبقة السود.. فثقافيًا، لم تكن تلك الكلمة تشكل أي حساسية عند العراقيين بينما نفس الكلمة تُعتبر إهانة وتحقير لفئة أخرى.
في حين أن العراقي والكثير منهم عندما جاؤوا إلى أمريكا بعد حرب الخليج الأولى، كانوا يتقاضون هذه الأموال ويتعاملون معها ولا تشكل أي حساسية لديهم، فهي بالخلاف بالنسبة لطبقة السود.. فثقافيًا، لم تكن تلك الكلمة تشكل أي حساسية عند العراقيين بينما نفس الكلمة تُعتبر إهانة وتحقير لفئة أخرى.
هكذا نحن عندما نتعامل مع فئات أخرى في المجتمع أو خارجه، نواجه ثقافة مختلفة، تفكير مختلف، تاريخ مختلف، وكل ذلك يدفعنا لأن نكون حريصين وحذرين في التعامل مع الآخرين وأيضًا حذرين في استخدام الألفاظ والتعبيرات بالنظر إلى خلفيتها وما تحمل من موروث ثقافي قد يساهم في خلق أزمات وصراعات بين الأفراد بل وحتى المجتمعات.
كان هناك أيضًا حاجز ثقافي بين زميلي وبين العراقيَيْن، وهذا الحاجز تمثل في اختلاف اللهجات، واختلاف البيئة الثقافية، وكذلك اختلاف الهوية.. يُضاف إلى ذلك التاريخ الذي نكوّنه نحن عن الفئات المختلفة عنا.. فبحسب خبرتنا مع العراقيين وحضورهم للمؤتمر، فإن هناك نظرة معينة اتجاههم، أنهم مثلًا شديدي التعامل، أو أن بعضهم يتحاشى دفع الرسوم، أو غيرها من الانطباعات المسبقة التي كانت لدينا حين خاطبنا الشابَيْن.. وللعلم فإن الشابَيْن كانا جدًا محترَمَيْن ولم يسجلا في الفندق لأنهما جاءا فقط للاستماع لعدة محاضرات قبل أن يرحلا، وقد كان سفرهما حوالي الخمس ساعات (لاحظ أنهما سافرا هذه المسافة الطويلة ليحضرا مؤتمرًا إسلاميًا ويعودا إلى منطقتهما في نفس اليوم، وفي ذلك مشقة كبيرة).. وقد أبديا اعتذارهما وقمنا بالإصلاح بينهما وبين زوجة الشيخ وبحضوره..
كذلك، فإننا نجد حواجزًا بيننا بعضنا البعض ونحن من ثقافة واحدة ولهجة واحدة ومنطقة واحدة، وهذه الحواجز عادة تكون إما بتكوين صوّر مسبقة ومستعجلة وخاطئة عن الآخر، أو بسبب عدم الاستماع للآخر لفهمه بصورة جيدة، أو أننا نتسرع في إطلاق الأحكام، أو نتصيد الأخطاء على الآخرين..
12 يوليه 2014
كان هناك أيضًا حاجز ثقافي بين زميلي وبين العراقيَيْن، وهذا الحاجز تمثل في اختلاف اللهجات، واختلاف البيئة الثقافية، وكذلك اختلاف الهوية.. يُضاف إلى ذلك التاريخ الذي نكوّنه نحن عن الفئات المختلفة عنا.. فبحسب خبرتنا مع العراقيين وحضورهم للمؤتمر، فإن هناك نظرة معينة اتجاههم، أنهم مثلًا شديدي التعامل، أو أن بعضهم يتحاشى دفع الرسوم، أو غيرها من الانطباعات المسبقة التي كانت لدينا حين خاطبنا الشابَيْن.. وللعلم فإن الشابَيْن كانا جدًا محترَمَيْن ولم يسجلا في الفندق لأنهما جاءا فقط للاستماع لعدة محاضرات قبل أن يرحلا، وقد كان سفرهما حوالي الخمس ساعات (لاحظ أنهما سافرا هذه المسافة الطويلة ليحضرا مؤتمرًا إسلاميًا ويعودا إلى منطقتهما في نفس اليوم، وفي ذلك مشقة كبيرة).. وقد أبديا اعتذارهما وقمنا بالإصلاح بينهما وبين زوجة الشيخ وبحضوره..
كذلك، فإننا نجد حواجزًا بيننا بعضنا البعض ونحن من ثقافة واحدة ولهجة واحدة ومنطقة واحدة، وهذه الحواجز عادة تكون إما بتكوين صوّر مسبقة ومستعجلة وخاطئة عن الآخر، أو بسبب عدم الاستماع للآخر لفهمه بصورة جيدة، أو أننا نتسرع في إطلاق الأحكام، أو نتصيد الأخطاء على الآخرين..
12 يوليه 2014
No comments:
Post a Comment