Friday, July 4, 2014

أوصيكم بالنسيان خيرًا.. وبألم الذكريات شرًا // أم علي

 


 
"لا يجب دائمًا قلب الصفحة، أحيانًا ينبغي تمزيقها" - مالك حداد
 
مَنْ منا لم يسلم من ألم وخيبة أمل.. تعددت الآلام والحزن واحد.. مَنْ منا لم يمر في فصول حياته بحرِّ الابتلاء وخريف الكآبة وبرد الوحدة وربيع الأمل.. تتعاقب علينا الفصول الأربعة حتى ينفخ الملَك إسرافيل عليه السلام في البوق معلنًا قيام الساعة.
 
خلف كل نافذة قصةٌ.. نطلُّ على أصحابها خلسة فنرى المحزون والمكروب والمجروح، ونطلُّ عليهم من نفس النافذة يومًا آخرًا فنشهد عند البعض بداية ربيع يلي شتاءً قارسًا والبعض الآخر وقع فريسة للذكريات الأليمة، فتجرفه إلى حفرة الماضي ثم تنخر كل عضلة من عضلات جسده.. فهو كالمنتحر الذي يموت في كل وقت بالوسيلة ذاتها التي اختارها لموته في حياته، قد اختار أن يحيي الذكرى المميتة في نفسه كل ثانية ليعيشها حدثًا جديدًا!
 
الذكريات الأليمة سلاسل حديدية ثقيلة تقيدنا كي تبقينا دائمًا أسرى للماضي.. لنتوه في طرقاتها ودهاليزها فلا نعرف للنسيان طريقًا ولا للحرية سبيلًا.، فهي كسرطان المخ، إما أن يكون حميدًا تستطيع التعايش معه ولا مضرة ترجى منه أو يكون خبيثًا إن لم تكبح جماحه تفشى وانتشر في كامل الجسد، يأكله كما يأكل الدود جثث الموتى، فلا تنفعه آنذاك جلسات كيمياوية ولاعمليات استئصال.
 
متى تبصر الأعين وتصغي الآذان! متى تفطن العقول إلى أن العمر لحظة! فلتفتح القلوب أبوابها ولتعش أيامها وكأن الأمس لم يكن، وكأن عقولنا لا تستوعب سوى "اليوم" بنجاحه وإنجازه.
لنهجرَ الأطلال، ولنستقبل شمس آذار ولنشيع غروب الأتراح.. فما الحياة إلا مطبات إن لم نتجاوزها ونستفد منها هلكنا وخسرنا كل جميل من أجلنا خُلق، يقول اليابانيون: "نقع سبع مرات ونقوم ثماني".

فلا تعمر في الذكريات الحزينة وتبنيها عمارات شاهقة، فتقع عليك ذات يوم عند تعرضها لأبسط أنواع الزلازل فتهلكك.. ولا تدفنها في زاوية ما في أغوار نفسك فيأتي عليك يومًا وتنبش قبرها لتطل عليها وترثيها من جديد.. بل مزقها إربًا إربًا وانثرها في بحر الزمان العميق حيث لا رجعة إلى الماضي الغريق.
 
اخلقوا في باطن عقولكم سلة النسيان إذ بضغطة زر تلقون فيها الذكريات الأليمة الغير مرغوب فيها والتي تسبب "لود" على الهارد ديسك لعقولكم، فلتكن الدموع حدادًا على موتها وبعد الحداد انزعوا السواد وارتدوا الألوان وهرولوا إلى طرقات الأمل، فما الذكريات إلا بابًا تفتحه وتقفله خلفك إلى الأبد.
 
لا تسلِّم نفسك لشبح الظلام، حاربه بكل ما أوتيت من قوة، جاهده بالإيمان بأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما أخطئك لم يكن ليصيبك.. اشهر بوجهه ثقتك بقول الله تعالى: "أنا عند ظن عبدي بي، فان ظننت بي خير وُجدت، وأن ظننت بي شر وُجدت"، فإن آمنت بالهلاك جاءك لا محال.. وإن آمنت بالحياة والسعادة غمرتك من كل صوب وحدب.. ولا مانع أبدًا من أن تستعين عليها بعد القرآن الذي فيه شفاء للناس بشخص يستمع إليك ويساعدك على تحويل الألم قوةً، والذكريات رمادًا والجروح ترياقًا والوقوع وقوفًا وثباتًا.
 
28 يونيه 2014

No comments:

Post a Comment