Friday, July 25, 2014

لا بابٌ.. ولا حرية // أ م علي

 
 
وَبي مِمّا رَمَتـكِ بِـه اللياليِ
جِراحات لَها في القَلبِ عُمقُ
أحمد شوقي
 
 
أحاول أن أكتب فأعجز، أجدني محاصرة بسيل من الحزن لا ينتهي، وحالة من التوتر دائمة.. من حولي كثيرُ صورٍ تحكي معاناة، وفي فمي ماءٌ كثير، غيري لا يملك سوى الحرف، وإذا بالحرف عاجزٌ عن مجاراة ما يحدث أو رسم صورة واحدة من صور الدمار للإنسان، وقيمته في غزة.
 
أشعر بأن كل شيء في داخلي يتداعى، ويتصدع مثلما تتصدع بيوت الآمنين في تلك البقعة من أرض فلسطين الحبيبة، فلسطين التي عشقناها قضية خاصة بنا، كنا نرسم الخارطة بأقلام الاستانسل ونكتب على ورق شفاف لا يمزقه الرأس الحديدي للقلم الخجول، ذاك الذي يلثم الحرف ليحيله إلى صوتٍ كلما ارتطم بالورق صاح قلب بحب فلسطين.
 
كنا ندرس فلسطين قضية واحدة لم تجزّئها الإتفاقيات، واقتسام الثروات والحارات، ولم تحمل مسميات عديدة كما هي اليوم، المنطقة الخضراء والحمراء والصفراء، وغزة، ورفح، والقدس، ورام الله.
 
نحن عشقنا القضية درسًا واحدًا لا يحتمل التجزئةِ، لم نكن نعلم أن ثمة يومٌ سوف يأتي يحمل الكثير من التقسيم والشتات الداخلي لوطن من أقصاه إلى أقصاه محتلٌ، هذا التقسيم هو الذي خلق هذه الإشكالية اليوم لأن الرؤوس تعددت، والربان لم يعد واحدًا، والسفينة يتنازعها أفرادٌ كثرٌ كلهم يجنحون بها نحو الغرق.
 
أشعر أنني محاصرة بحزن عميق، حزن بعمق السنوات التي عرفنا فيها القضية فشدوْنا بها في طوابير الصباح، ولهجنا بواقعيتها في فصول قلما كنا نجد فيها أجهزة للتكييف، كنا كلما تصببنا عرقًا شعرنا بقيمة النضال الذي يعيشه الفلسطينيون واقعًا آنذاك، ونعيشه معهم من خلال دروس كانت القدس هي فاتحتها الأولى، وابتسامة أطفال الحجارة علامتها الدقيقة.
 

 

وتلك الحرية التي قال عنها شوقي "بكل يدٍ مضرجة تدق"، اليوم خُضبت الأيادي بالدماء لكنها ليست دماء الحرية وإنما دماء الغلابا والضعاف المساكين الذين يفرون من الموت إلى الموت.
 
 
أحاول أن أكتب لكن صرخات الأطفال الجرحى ترتطم بضلوعي فأشعر بالبرد، برد لا قدرة للمرء على احتماله وهذه الكاميرات اللعينة تنقل لنا الوجوه الصغيرة مبتسمة تحسبها نائمة وقد فارقت الحياة، هناك خطة محكمة للقضاء على كل أشكال الحياة وسط صمت مريب لا نجد له تفسيرًا سوى حالة استلاب تمر بها الأمة ولا قدرة لديها على الخروج منها ولو فعلت المستحيل.
 
أشعر بعجز مخجلٍ كما يشعر به غيري ملايين من أبناء هذه الأمة التي قتلها الحزن على غزة، والأبرياء الذين يتساقطون بلا ذنب سوى أنهم أبناء هذه المنطقة المغضوب عليها، وهذا الصمت المريب وهذه الممارسات البيت أبيضيّة التي تمارسها رايس من داخل أروقة الأمم المتحدة، وكأنها مصرة على إبادة الأبرياء حتى اللحظة الأخيرة من مغادرتها منصبها الذي ما أضاف إلى هذه الأمة إلا الدمار، يبدو أنه نخبها الأحمر الأخير، نخب مُزج بدم الأبرياء، وعُتّق بلعنات التاريخ الذي لن يرحم أحدًا من المتخاذلين.
 
متى ستشعر الأمة العربية بعمق المأساة ؟ وتتخذ موقفًا لنصرة الإنسان..!
 
هناك طفلٌ، وشابٌ، وكهلٌ، لكن ليس كل ما نتمناه قابل للتحقق، لأن الرياح أحيانًا تسير بعكس الاتجاه، فما بالنا والدول العربية قد فقدت البحر والبوصلة منذ قرون.
 
23 يوليه 2014

3 comments:

  1. Replies
    1. مقال جميل حيث يلامس الشعور الإنساني الصادق ويعيد اتجاه البوصلة إلى الوضع الصحيح، فالجرح كان ولا يزال فلسطين -كل فلسطين -، فلسطين الواحدة التي عاشت في قلوبنا صغاراً ويجب أن تنمو فيه كبارا.

      Delete
  2. This comment has been removed by the author.

    ReplyDelete