Friday, July 11, 2014

زوجات .. بإخراج سينمائي // إيمان الحبيشي

 
 
كثيرون منا كبروا بين جنبات أسرة، تقوم بكل الخدمات لهم مجانًا، دون أن تكلفهم عناء التفكير حتى بكيفية تدبيرها. أمور صغيرة جدًا، كربط الحذاء عند كل خروج، وأمور كبيرة جدًا، كاختيار زوجة أو القبول بزوج. وفي المقابل فكثيرون منا نشأوا بين جنبات أسرة، لا تمتلك أو لم تنتبه جيدًا لإتمام أمور أفرادها، أمور صغيرة كتعليم طفل كيفية ربط حذاءه، وأمور كبيرة جدًا كمعاونة الأبناء في التجهّز لبيت الزوجية.
 
تنتقل الفتاة من منزل عائلتها لمنزل زوجها عادة فجأة، فالفتاة ذات الثامنة عشر ربيعًا تقل أو تزيد، كانت طفلة ثم بين ليلة وضحاها صارت صاحبة منزل وأسرة، وربما بعد أشهر قليلة هي أمّ لجيل جديد، صار يخطوا خطواته الأولى، ولا بُدّ من إعداده جيدًا لبناء مستقبل المجتمع الذي ينتمي إليه. تُرى كيف استعدّت تلك الفتاة، وذاك الشاب لبناء بيت لا بُدّ أن يكون لبنة قوة من لبنات مجتمع متماسك؟

حين يخطب شابًا ما ودَّ فتاة ما، ليُقبلان على بيت الزوجية، فالمتعارف عليه أن تستلم الفتاة مبلغًا من المال، يزيد أو يقل بحسب قدرة الزوج وأحيانًا بحسب طلب الزوجة، لتجهيز نفسها للزواج، لكن كم فتاة أو شاب عمل على تهيئة نفسه معنويًا للزواج؟
 
كثيرٌ من الفتيات تُقبل على بيت الزوجية مُعتقدة أنه طوق النجاة من تسلط الأهل أحيانًا، أو سحابة حرية تعني انقراض كلمة (لا) أمام طلباتها، فتتغاضى كثيرًا عن سمات شخصية ذلك الزوج، أو عن مستوى تقاربهما الفكري المحتمل!
كثيرٌ من الفتيات تُهرول نحو بيت الزوجية، معتقدة أنها صارت بطلة فيلم رومانسي، وعلى زوجها أن يكون رشدي أباظة العصر فيُعاملها كفاتن حمامة زمانها، يطوف بها بلدان العالم محتفظًا ببسمة وجهها، لا يُعكر صفوه رفض لطلب من طلباتها الكثيرة. وحين تحط الرحال في بلدها، فستكون لكل وجبة طعام، قصة خيال رائعة تنتشي فرحًا وهي تقصها على صديقاتها! وحين تتفاجأ الفتاة بأن معنى بيت الزوجية أن تعيش ضمن حدود إمكانيات الزوج المادية، والاجتماعية بل والشخصية فقد تُصاب بحالة من الصدمة، فإما أن تبدأ باستيعابها سريعًا والتأقلم معها، وإما تبدأ سلسلة من المشكلات التي يعود منشأها لفكرة خاطئة، اعتنقتها تلك الفتاة. فلا الزوج رشدي أباظة ولا القدرة على العطاء حاتمية الكرم!
 
عفوًا عزيزتي،، من قال إن منشأ فكرة الزواج مأخوذة عن بضع مسلسلات هابطة، تقذف في عمقنا الحاجة للحب الخرافي الذي لا تستقيم معه حياة؟ من قال أن أسباب استقرار الزوجية تعني أن يُوفر الزوج سيارة آخر موديل، وخادمة ومنزل ورحلات سفر لا تتوقف! من قال أن الزواج مصباح علاء الدين؟ وأن الزوج ليس سوى العفريت الذي خرج من قمقمه ليُلبي طلباتك التي لا تنتهي؟ هناك فرق كبير بين بيت الأب وبيت الزوجية، فإن كنت الفتاة المدللـه هناك، فلا يعني أن قيامك بمسؤولياتك وتحملك لظروف زوجك، ومحاولتك التأقلم مع طباعه ليسير مركب الزواج بهدوء واستقرار، لا يعني كل ذلك أن دلالك انتهى، بل يعني أنكِ امرأة واعية قادرة على التدبير، ذلك يعني أنكِ ملكة مملكتك التي صرتِ المسؤولة عنها بالتشارك مع زوجك، لتسيير أمور رعيةٍ قررتما أن تكونا راعياها، وباتت مصلحة تلك المملكة فوق كل اعتبار فردي.
 
كثيرون رجالًا ونساءً يعتقدون أن المشكلات الزوجية، أو الاختلافات بين الزوجين، معضلة تنهار أمامها كل الأحلام، في حين أن الواقع يقول، أن الرجل والمرأة كائنان مختلفان فسيولوجيًا ونفسيًا ووظيفيًا، وأن عملية التلاحم بينهما في الزواج تعني أن تتكامل تلكم الاختلافات، ليتمكّنا من رسم حياة متكاملة ينشأ في ظلها الأطفال إناثًا وذكورًا. ذلك الاختلاف بين الرجل والمرأة يستلزم من كليهما، وقتًا كافيًا ليبدءا في استيعابه، ومن ثم في القدرة على التعامل معه كأساس مهم من أسس الحياة لا كمشكلة، فيُطالب الرجل أن تكون زوجته في مواقف ما (رجل) وتطالب المرأة أن يكون زوجها أحيانًا امرأة!

أُضيف لذلك أن كلًا منهما عاشَ في بيئة مختلفة، وتربى في ظل أسرة مختلفة، وعليه فمن الطبيعي أن يُحضر كلاهما أسلوب وقيم وسلوكيات أسرته التي نشأ فيها لبيت الزوجية، وقد يتسبب ذلك أحيانًا بالتصادم وليس الاختلاف فحسب ما بين الزوجين، وهذا أيضًا يحتاج منهما وقتًا كافيًا ليبدءا في استيعابه، ومن ثم تشذيب بعض السلوكيات والقناعات حتى يُوجدا لنفسيهما خارطة طريق تنقلهما لبر الأمان بعد كل عقبة.
 
إن أغلب المشكلات الزوجية إنما منشأها أننا لم نتزوج بالشكل الصحيح، وأننا لم نتعامل مع المشكلات الطبيعية ضمن حجمها الصحيح، وأننا كنا نحمل توقعات غير واقعية للحياة الزوجية، فلم نتمكن من تحجيم تلك التوقعات لتتلائم وطبيعة الحياة، أكاد أجزم أن مشكلات كبيرة، كان سببها المادة في ظل تحوّل الحياة والقيم لقيم مادية بحتة، فالحب يعني أن تستلم الزوجة وردة حمراء كل حين، وأن يحتفل الزوج بعيد ميلادها، وعيد زواجهما، وعيد خطوبتهما، وعيد الحب، وعيد الأمّ، حتى غصت السنة بالمناسبات التي يتوجب أن يعلن فيها الزوج حبه لزوجته، بباقة وسيارة وهاتف، فصار التعبير عن الود بإبتسامة أمر مغضوب عليه، وكأننا صرنا نرفض حلو المعاملة اليومية، ونطالب بها في ساعات وتواريخ وبأدوات محدودة جدًا حتى صار من لا يملك (لا يُحب)!
 
همسة لكل رجل وامرأة : نحتاج جدًا لأن نضع أرجلنا على الأرض، حين نرسم خارطة حياة مشتركة، لنتوقف حينها عن التحليق بعيدًا عن الواقع.
 
12 يوليه 2014

No comments:

Post a Comment