Friday, July 4, 2014

إنسانية الحيوان // إيمان الحبيشي



كانت المرة الأولى التي أشهد فيها عملية ولادة (حيوان ما / قطة).

لم نعتد على اقتناء الحيوانات في المنزل فوالدتي حساسة تجاهها.. كما أنها حريصة جدًا على النظافة.. إلا أن أحد أشقائي أصرَّ هذه المرة على اقتناء قطة فارسية ممشوقة القوام لكنها حبلى !!

 
لم أُفكر في موضوع حملها كثيرًا لذلك تفاجأتُ ذات ظهيرة حين وجدتُها على أرض منزلنا تضع قططًا صغيرة. شعرتُ بالتقزز قليلًا ثم تحولت مشاعري للشفقة عليها.
 
تلك القطة كانت صامتة تمامًا، تعيش حالة وضع صغارها وحيدة. استمرت عملية وضعها ما يُقارب الساعة، لم تئن ولم تحتج لمن يُبعد عنها صغارها ليُحممهم أو يلفَّهم.. بإبداع إلهي مُنقطع النظير كانت تلك القطة تُمارس أُمومتها غريزيًا، ليس عبر ولادة الصغار فحسب، بل عبر تطبيب نفسها وقطع الحبل المتصل بينها وبينهم، ثم لعق صغارها وتنظيفهم ثم إرضاعهم. مَنْ أَلْهَم هذه القطة لتكون طبيبة نفسها وراعية أولئك الصغار؟!

الغريزة التي قادت تلك القطة لم تكن غريزة حيوانية متوحشة، بل كانت غريزة راقية نشترك نحن بني الإنسان معها فيها. لا زلت أشعر بالذهول كلما تذكرتُ حالة ولادتها، ورغمًا عني انتقلتُ بتفكيري للجنس البشري. تذكرتُ عددًا من الحوادث التي ألقت فيها أم بإبنها الرضيع الذي لم يتجاوز عمره ساعات وأحيانًا أيام عند باب مسجدٍ أو حتى في عمق قمامة!!!
 
تُرى أين استحالت غريزة الأمومة حين تمكَّنَت تلك المرأة من قذف طفلها بعيدًا عنها، لتُدير له ظهرها متجاهلة قسوة الحياة التي من الممكن أن يُعانيها طفل كان في ساعاته الأولى من الحياة؟!

أُدرك أنه لا يُمكن لأم أنجبت طفلًا شرعيًا أن تُلقيه في المهملات مُتخلية عنه، ذلك أنه وإضافة لغريزتها التي كانت تستعد لاستقباله دون خوف أو وجل، فإنها تعيش وضعًا اجتماعيًا ضمن مجتمع ينتظر أن ترعى تلك الأم طفلها، فيُلحق جماله بجمالها، وحسن خِصاله بحسن تربيتها، فيما تحررت تلك الأم الجانية على صغيرها من ذلك الوضع الاجتماعي.

 
إن تكرار حوادث العثور على أطفالٍ رضعٍ عند أبواب المساجد والمنازل وفي حاويات القمامة، هو مؤشر على حالة من التفسخ الأخلاقي الثقافي الذي أخشى أنه بدأ ينخر في مجتمعنا، ولا بُدَّ من وضع حلول عميقة له، وأول أوجه هذه الحلول هو أن نُضخِّم داخل نفوس الأجيال مسؤولية الإنسان نحو الإنسان، فحين تُقبل امرأة / رجل ما على إقامة علاقة ما (شرعية أو غير شرعية) فإن ذلك يعني أنهما مسؤولان مسؤولية مباشرة أمام الله وأمام طفل من المحتمل ان يُحضراه للحياة وأمام المجتمع، ولا بُدَّ أن تُطبّق الحدود الشرعية والقانونية ضد عدم احترامهما لتلك المسؤولية. إن معنى تكرار تلك الحوادث يعني أن بعضنا يعيشُ ضمن مجتمعٍ منفلت لا يستطيع فيه الأب، أو لا يقوم فيه الأب بدوره تجاه أبنائه وبناته، إلا ضمن (سمعة اجتماعية) يُحافظ عليها، دون اكتراث ببواطن تلك السمعة. إن تكرار تلك الحوادث يعني أن بيننا من لا يُدرك معنى الحدود الشرعية التي أقرها الله في دينه، ولا ينظر إليها إلا كقوانين من الممكن تجاهلها في غفلةٍ من الشارع، تمامًا كإشارة مرور حمراء، أغفلنا كاميرا التسجيل الموضوعة على رأسها، وقطعناها في غفلة من شرطي المرور والمارة، وإن عنى ذلك أن نصطدم بأحدهم ونتسبب بخسارته ماديًا وبشريًا ومعنويًا لنستمر بالسير دون أن ننظر للخلف!
 
إن مسؤولية الإنجاب لا تتوقف عند تربية الأطفال والإحسان لهم أم لا، بل إنها مسؤولية تمسّ المجتمع بأسره وقد تكفَّل الإسلام بحفظ مجتمعه من عبث العابثين.
 
29 يونيه 2014

No comments:

Post a Comment