Friday, July 18, 2014

هل أنت فضولي // ز.كاظم

يسألك أحدهم سؤالًا وتجيبه بسرعة "مو شغلك".. أو في بعض الأحيان تكون أجابتك على هيئة سؤال: لماذا تسأل؟ وكأنك تقول وما دخلك أنت بهذا السؤال ولماذا تسأله! الكثيرُ من المواقف اليومية تمرّ علينا وتكون إجاباتنا هذه لمَن يتدخل فيما لا يعنيه، ويسأل عن ما ليس له شأن به.. وفي بعض الأحيان ربما تكون أنت السائل، وإليك يأتي الجواب ليُخبرك بأنك فضولي تتدخل فيما لا يعنيك.

تعريف الفضول:
الفضول صفة متعلقة بالتفكير الفضولي مثل الاستجلاء والبحث والتعلم، ويتضح من خلال الملاحظة لدى الإنسان والعديد من أنواع الحيوانات. ويمكن استخدام المصطلح أيضًا للدلالة على السلوك ذاته الناجم عن عاطفة الفضول. ونظرًا لأن هذه العاطفة تمثل تعطشًا للمعرفة، فإن الفضول يُعتبر قوة دافعة رئيسية وراء الأبحاث العلمية وغيرها من مجالات الدراسات الإنسانية الأخرى. (ويكيبيديا).

فالفضول حاجة طبيعية بل وإيجابية في الإنسان، فهي التي تدفعه للاكتشافات والإبداعات والسؤال والتعلم وغيرها من الأمور اللازمة لتوسيع مداركه وفهمه وعقله. وهذه الحالة تلازمنا منذ الولادة، وهي حالة فطرية، فعند ملاحظة الطفل ترى حب الفضول والاكتشاف هي التي تدفعه لأن يقوم بفهم وإدارك ما يدور حواليه، فتراه يحاول أن يمسك الأشياء بيده، ثم يرميها، أو يصدر الأصوات بفمه، أو يضع بعض الأشياء في فمه لتذوقها أو يقوم باللمس وغيرها من سلوكيات يقوم بها الطفل ليكتشف العالم من حوله. وتكبر هذه الخصلة مع الفرد وتكون هي الدافع للإنسان بأن يقوم بالغوص في مجاهيل الحياة ليضفي عليها نور المعرفة، ولا يكون ذلك من دون دافع حب الاستطلاع والفضول الموجود لديه.

لكن موضوع هذا المقال ليس الفضول الإيجابي بل الفضول السلبي الذي لا فائدة منه، وربما يجلب على الإنسان ومَن حوله الكثير من المتاعب والمشاكل. والمقصود به هو ذلك السلوك الذي يمارسه الإنسان في محاولة لمعرفة أمور عن الآخرين لا شأن له بها، وعادة ما تُعتبر تدخل في خصوصيات الآخرين.

تغيب فترة عن مجموعة من الأصدقاء، وما أن تعود حتى تبدأ مع عودتك حملة الأسئلة، وهي حالة طبيعية جميلة وحسنة أن تفقد الغائب وتسأل عنه، ولكن لهذه الحالة حدود وضوابط إذا ما لم تراعى فإن تلك الخصلة الحسنة تتحول إلى سلوك سيء وفضول، كأن يتحول السؤال إلى استجواب وتحقيق: أين كنت؟ ولماذا؟ وماذا فعلت؟ ولماذا لم تخبرنا؟ ووو.. أو أن يأتي أحدهم ليسألك كم راتبك؟ أو كم عُمرك (وخصوصًا إذا ما وُجّه هذا السؤال للنساء)؟ وغيرها..

وهناك نوعية أخرى من الأسئلة التي يدخل فيها الفضول والتطفل، هب أنك تتحدث مع شخص ما، فيأتي إليك الفضولي ليقف ويتكلم وكأنه مدعوٌ للخوض في هذا النقاش، أو يأتي إليكما ليسألكما عن ماذا تتحدثان؟ كثيرة هي المواقف التي تحدث مع الفضوليين، بعضها يتم تمريرها بسهولة وسلاسة، وبعضها يكون التجاهل هو صفة التعامل، وفي بعض الأحوال قد يتعرض الإنسان للإحراج فيضطر إما أن يذكر تفاصيل خاصة به، أو أن يكذب، أو أن يمتنع عن الجواب بأسلوب أو آخر.. أما مَن لا يهمه الإحراج فقد يقوم بمخاطبة الفضولي بلغة قاسية شديدة قد تكون رادعة (ولو وقتيًا)..

لاحظ نفسك فربما لديك درجة من هذا الفضول السلبي بصورة قليلة أو أكثر ولكن لا تلحظه على نفسك.. هذه بعض الخطوات السريعة حول تحاشي صفة الفضولية إن كانت فيك، وطرق التعامل مع الفضولي:

1) حاول أن تعرف متى تسأل، ومَن تسأل ولماذا تسأل، والمقدار الذي يصح لك السؤال عنه لئلا تصبح فضوليًا بحيث تجعل الآخر مضطرًا لأن يفشي بأسراره لك أو يكذب أو يقل أدبه عليك. 
 
2) إذا سألك فضوليٌ سؤال لا تود الإجابة عليه، فابتسم ولا ترد، أو رد سؤاله بسؤال من قبيل: لماذا تسأل؟ هل مهم لديك أن تعرف إجابة هذا السؤال؟ أو أجبه بكل صراحة واحترام: هذا السؤال خاص ولا أحب أن أجيب عليه وشكرًا لتفهمك.
 
3) إذا كنتَ أنت الفضولي وأفشى الآخر لك بعض أسراره أو عرفت عنه بعض الخصوصيات، فاعلم أنه هو صاحبُ هذا الحق في هذه الأسرار ولم يخولك لنشرها فحاذر من أن تنشرها.. فحين يخبرك أحدٌ بمعلومة أو سر يخصه أو تطّلع على أمر من أموره، فاجعل نفسك فطنًا واعرف هل يجوز لي أن أتصرف في هذه المعلومة أو الخبر أم لا، واحتط أن لا تنشر على أية حال.

يقول الله سبحانه وتعالى:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَـٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّـهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّـهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمًا ) ﴿الأحزاب: ٥٣﴾

4) حاول أن تحدّ من فضولك في معرفة أخبار الآخرين. ماذا سينقص منك إن اكتفيت بما عندك. حاول دائمًا أن تسأل نفسك: لماذا مهم لديّ أن أعرف هذه الأمور عن الآخرين؟ لماذا الإجابة على هذا السؤال مهم؟ ماذا أستفيد من الإجابة على هذا السؤال؟  وغيرها من الأسئلة التي ربما في الإجابة عليها تكتشف أنك لستَ بحاجة لطرح هذه الأسئلة على الآخرين لمعرفة أمور خاصة بهم لا شأن لك بها.

يقول الله سبحانه وتعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّـهُ عَنْهَا وَاللَّـهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) ﴿المائدة: ١٠١﴾
 
فالزم حدودك واعرف ما يجب عليك أن تسأله وما لا يحق أو يجدر بك السؤال عنه.

5) إن كنتَ مدمن في الفضول، فحاول أن تخلق لديك هواية تبعدك عن الفضول في معرفة أمور الناس، كأن تقرأ الأخبار والمجلات، أو أن تشغل نفسك بأمور معينة من شأنها أن تحدّ من هذا الفضول عندك. في العادة فإن الفراغ يولد عند الإنسان هذه الحالة من الفضول والتدخل في أمور الآخرين.

6) وحاول أن تعرف أسباب ولعك بالفضول في معرفة خصوصيات وأمور الآخرين، فهل مثلًا لأن حياتك خالية من الإثارة والمتعة فلا تجد الإثارة إلا في حياة الآخرين؟ أو أنك تجد متعة في معرفة أمور تخص الآخرين لتنقلها وتنشرها وهذا سلوك قبيح ومحرّم؟

وختامًا، من الجيد أن يقيّم الفرد منا نفسه ليرى إن كان يزاول هذا الفضول الغير محبذ وذلك عن طريق مراقبة أفعاله وسلوكياته مع الآخرين، وكذلك النظر في ردات فعل الآخر اتجاهه. وأسوء ما تقوم به إن كنتَ فضوليًا أن تدفع بالآخر لأن يكذب من أن يتقي شر سؤالك، فحاذر..


19 يوليه 2014
 
 
 

1 comment:

  1. طريقتك في الكتابة نوعية جدًّا أستاذ ز.كاظم.. ننتظرك بشوق..

    ReplyDelete